ها نحن نترقب خروج شهر رمضان الفضيل، متمنين تمامه؛ لإتمام صيامه وقيامه، متقلبين في أيامه بين عبادات وطاعات. وإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدومه، بذكر خصائصه، وتضاعيف الأجور، فيقول: “أتاكم رمضان؛ شهر مبارك، فرض الله -عز وجل- عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم”، فإن المسلسلات الفنية، والأعمال الدرامية، تتراكم في شهر رمضان –بالذات- وليس في شعبان، أو شوال، وهي قضية يحتدم النقاش حولها كل عام.
عرض تلك الأعمال في ليالي رمضان؛ لأنه “كريم” كما يصفونه، ويطلق عليها مسلسلات رمضانية؛ لشغل الناس عن الخير؛ فترى كما هائلا من الأعمال الدرامية يعرض من قبل وقت الإفطار، وحتى وقت السحر، بما ترصد له من أموال، وتصرف فيه من جهود، لا توافق غالبا ما يرضي الله، وغير ملتزمة بالمعايير الموضوعية -كأن تكون ناقدة، وذات رسالة ؛ لعلاج أخطاء قد تقع في المجتمع- ولا أكون مبالغا إن قلت: إن تلك الأعمال تعرض على مدار الساعة، في كثير من القنوات الأرضية، والفضائية، التي أصبحت كالنار تحت الرماد . خصوصًا، أن بعض تلك المسلسلات، تضمن مساحة واسعة من التجاوزات، وما أحدثته من مشكلات فكرية، وبث سموم عقدية، والداعية إلى الفوضى، والانحراف .
وبدلًا، من أن نرتوي من نمير هذا الشهر الكريم، ونرتشف من رحيقه، ونشم عاطر شذاه، ونستقبل هذا الضيف الكريم بنية خالصة، وتوبة صادقة . تفتح في النفس لوعة الاشتياق إليه، إذ هو من أجمل المناسبات التي أكرمنا الله بها، نجد أن القنوات الفضائية، نجحت في استقطاب الناس لمشاهدة مسلسلاتها، وأفلامها، من خلال انتشار الخيام الرمضانية، في بعض الفنادق الكبيرة، والأندية الفخمة، في بعض الدول العربية . وهي ظاهرة بدأت -منذ سنوات عديدة- مع رجال الفرق الصوفية، بتقديم وصلات أناشيد، وابتهالات رمضانية، ثم تطورت الفكرة، وأصبحت تقام على شكل ليال فنية، واستعراضات راقصة -بجميع أنواعها- لتكون غطاء على أعمالهم المريبة، وتستمر حتى ساعات الفجر الأولى، وربما ينتهي مع إيقاع أذان الفجر، وهو ما يتنافى مع مبادئ الدين، وقدسية الشهر العظيم، والخروج عن قيم المجتمع، وعاداته، – فضلا – عن كونها مظاهر دخيلة على مجتمعاتنا العربية.
أيام قليلة، وينقضي شهر الصيام. شهر خليق أن يحتل المكانة الرفيعة في نفوس المسلمين، لاسيما وأن نزول القرآن بدأ منه، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر . ثم، أليس في تخصيص شهر رمضان بشريعة الصيام ؛ من أجل تحصيل التقوى. وهو ما أكده ربنا -جل في علاه- حين قال: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.