في الوقت الذي تتغير فيه سياسات النقل والمرور في مدن العالم المتقدم باتجاه التقليل والتخلص من السيارات، نسمع اليوم وجهات نظر تتصاعد عند كثير من المواطنين في البحرين داعية إلى زيادة السرعة وزيادة عدد السيارات وفتح مزيد من الشوارع حتى ان بعضهم بدأ بالتشكيك في مصداقية قوانين المرور بشكل سافر.
ينطلق أغلب المواطنين من نظرتهم إلى الواقع الحالي من خلال رغباتهم الداخلية الشخصية البحتة من دون التفكير في آثار تلك الزيادة على المجتمع والصحة وعلى البيئة والتطور المستقبلي للوطن البحريني. نحاول هنا طرح بعض الأمور المتعلقة بضرورة تحديد عدد السيارات وتحديد السرعة، مستندين على الخبرة المتراكمة في البحرين وفي المجتمعات العالمية.
جاء ذلك من خلال دراسة أعدها الدكتور رعد موسى الجبوري أكد فيها أن دول الخليج العربي من أكثر بلدان العالم في حوادث السيارات، فبحسب موقع الخليج أونلاين، تصدرت البحرين دول الخليج في زيادة عدد حوادث المرور، في حين تصدرت السعودية المعدل الأعلى في عدد الوفيات من جراء حوادث المرور، خلال 2014. وبلغ معدل حوادث المرور في البحرين 76,7 حادثا لكل 1000 نسمة، في حين بلغت نسبة حالات الوفاة في السعودية من جراء الحوادث 0,24 حالة لكل 1000 فرد. وبحسب ما نقلت جريدة البلاد عن دراسة أمريكية أن البحرين تحتل المرتبة الرابعة عالمياً من أصل 193 بلدا، من حيث ضحايا حوادث المرور. وذكرت دراسة نشرتها صحيفة «القبس» الكويتية أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى ثم قطر ثانيًا فالكويت ثالثًا.
تجدر الإشارة إلى أن ثمة جهودا تبذل في سبيل وضع إستراتيجية إعلامية موحدة للتوعية المرورية بدول مجلس التعاون الخليجي من خلال مبادرة تبناها الاجتماع التنسيقي الأول لمديري إدارات الإعلام والتوعية المرورية بدول المجلس التي عقدت في الدوحة في 14 نوفمبر الماضي 2016.
وأشارت Gulf Daily Newss البحرينية الى ان كل خمس دقائق يتم تسجيل حادث مروري. نلاحظ هنا ان التركيز يقع على جانب واحد من المسألة وهي الحوادث فقط، ولكن التأثيرات الأخرى مثل الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية والبنيوية لم يتم التطرق إليها بصورة واضحة وكافية في الإعلام.
كثيرون يدعون الى توسيع الطرق وزيادة السرعة المسموحة، ولكن الدراسات العالمية تشير الى ان الحوادث تزداد مع زيادة السرعة، وأغلب الباحثين العالميين من ذوي الاختصاص يؤكدون ان لزيادة السرعة علاقة بازدياد احتمالية ارتكاب الحوادث، فكلما ازدادت السرعة ازدادت احتمالية وقوع الحوادث.
أحد أهم الجوانب البيئية التي تؤدي الى تردي جودة الهواء، مما له تأثير على صحة المواطنين والسكان بشكل مباشر، وخاصة على الفئات العمرية الصغيرة هو انبعاث الغازات من عوادم السيارات. ونلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار أمراض الجهاز التنفسي والحساسية، فبحسب جداول الإحصائيات لوزارة الصحة في البحرين المنشورة على صفحتها في الشبكة الالكترونية، فإن من أكثر الأمراض المعدية المنتشرة المبلغ عنها هو مرض السل الرئوي نتيجة نقص مناعة الجهاز التنفسي.
للأسف لم نجد إحصائيات مفصلة بصدد نوعية الهواء وعلاقته بعدد السيارات من جهة وعلاقته بأمراض الجهاز التنفسي في البحرين، لذلك ننصح بإعداد دراسات إحصائية تهتم بموضوع العلاقة بين جودة الهواء ونقاوته وبين أمراض الجهاز التنفسي.
تؤكد جميع الدراسات في العالم ان هناك علاقة بين زيادة سرعة السيارة وكمية الغازات المنبعثة من عملية إحراق الوقود. وان الغازات المنبعثة تزداد وتكون أقل كمية انبعاث لغاز ثاني أوكسيد الكاربون في سرعة 50 و60 كم بالساعة، كما هو موضح في الشكل 2 أدناه.
إن ازدياد عدد السيارات في البحرين، الذي بلغ عددها 611 الف مركبة، يؤدي الى ازدياد التلوث. وتأتي البحرين في المرتبة الــ29 عالميا من مجموع 193 دولة في عدد السيارات بالنسبة الى كل فرد من السكان. علما ان الكثافة السكانية في مدن البحرين أعلى نسب في العالم.
ويقول الدكتور رعد الجبوري: من المشاكل الأخرى التي تسببها زيادة سرعة المركبات هي مشكلة الضوضاء المرورية في المدن. والضوضاء المرورية بحسب الدراسات العالمية تؤدي الى أمراض كثيرة وخطيرة منها الأرق والصعوبة في النوم مرورا بالطنين وأزيز الأذن المزمن أو الحاد، وحتى التسبب في الموت والسكتة القلبية أو الدماغية، هذا ما أثبتته دراسات عديدة في بلدان كثيرة من العالم.
والضوضاء عامل يسبب التعب والإجهاد. كما أنه يثير الجهاز العصبي اللاإرادي والجهاز الهرموني. ونتيجة لذلك، تحدث تغيرات في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب والدورة الدموية إضافة الى مصاعب أخرى. ويدفع الى زيادة إفراز الجسم لكميات من هرمونات التوتر، والتي بدورها تنخرط في عمليات التمثيل الغذائي في الجسم.
هذا ما دفع الجهات المسؤولة في البلدان المتقدمة، وخاصة في أوروبا، إلى اتخاذ إجراءات عديدة لتخفيف الضوضاء الناتجة من السيارات وأهمها تحديد سرعة المركبات، وخاصة في المناطق المسكونة.
ويواصل الدكتور رعد: إذا اعتبرنا المحددات المذكورة التي لها علاقة بتحديد السرعة وهي زيادة احتمالية ارتكاب الحوادث وزيادة تلوث الهواء بغازات عوادم السيارات وزيادة انبعاث الضوضاء نتفهم لماذا حددت أغلب الدول السرعة على شوارعها في المناطق الحضرية بحدود 40 أو 50 أو 60 كم في الساعة.
إن نتائج سياسة دعم السيارات زادت من إنذارات غبار التلوث في المدن، والاختناقات المرورية المستمرة، وشحة أماكن وقوف السيارات وازدياد الضوضاء وتقليص المساحات للمشاة وراكبي الدراجات: هذه هي النتائج المترتبة على استخدام السيارات الخاصة في المدن الكبرى في العالم. واليوم تعتبر المدينة الصديقة للسيارات نموذجا عفا عليه الزمن منذ فترة طويلة من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولكننا لانزال نعاني من نتائج تنفيذه هذه الأفكار الآن أكثر من أي وقت مضى. ولا تقتصر الأضرار الهائلة على تلوث الهواء في المدن فقط، ولكن يضطر السكان اليوم إلى العيش قريبا من شوارع صاخبة، وهو ما يسبب الأمراض. ويتم تقطيع الأحياء السكنية وعزلها عن بعضها ببناء شوارع واسعة، ما يجعل الأطفال والكبار وكأنهم يعيشون في منفى ويحبسون في حدائق وملاعب مسيجة.
عقود من السياسات الصديقة للسيارات في العالم، دمرت الفضاء في المدن الجميلة الهادئة وخفضت من جودة نوعية المساحات السكنية في المدن، كما زادت من خطورة الآثار على الصحة الجسدية والذهنية.
إن عديدا من السائقين يعتقدون أن من حقهم الطبيعي تماما استخدام الطرق العامة لأغراضهم الخاصة، ما يخلق الضوضاء ويسبب احتلال مساحات كبيرة. كما لو كان لهم حق طبيعي في ذلك وتزداد مطالبتهم بمساحات مجانية إضافية لمواقف السيارات.
ولكننا الآن ومن خلال تجارب العالم أدركنا ان زمن التركيز على السيارة الخاصة انتهى، وهذا الوعي المضاد لسياسة زيادة عدد السيارات وصل حتى الى سائقي السيارات في أوروبا الذين يدركون أن الوضع لم يعد يطاق ويجب التغيير بشكل مُلّح. وتشير زيادة أعداد رخص تسجيل السيارات المرتفعة الى وصول مدن العالم حدود الإشباع لطاقتها الاستيعابية للسيارات الخاصة، فالازدحامات تزداد والمركبات تتحرك ببطء أكثر في الشوارع، وفي عديد من الأماكن لا تستطيع السيارات ان تسير بسرعة أكثر من 20 كم في الساعة في المتوسط .
وفي الوقت نفسه تنخفض الاستفادة من المركبات، كمعدل فإن 944 في المائة من عمر السيارة الصالح للاستعمال يمر وهي واقفة فقط ومركونة على قطعة من الأرض الثمينة (8 ساعات نوم، 8 ساعات عمل، وإذا ذهبنا لزيارة أحد تترك السيارة مركونة في الخارج). لذا فليس من المستغرب أن كثيرا من سائقي السيارات في العالم يغيرون مواقفهم. ونشهد نموا عاليا لراكبي الدراجات – في ألمانيا، تضاعفت نسبة مستخدمي الدراجة في السنوات الأخيرة – وجزء كبير منهم كانوا من مجموعة مستخدمي السيارات.. فالذكي هو من أخذ من تجارب غيره.
فـــي دراسة للدكتور رعد الجبوري إلى المنادين بزيادة السرعة وتيسير اقتناء السيارات البحرين تحتل المرتبة الرابعة عالميا من حيث ضحايا حوادث المرور
رابط مختصر
المصدر : http://zajelnews.net/?p=40053