يثير ارتفاع عدد حالات الانتحار قلقا في تونس حيث تفجرت ثورة إثر إقدام بائع متجول على إحراق نفسه، في حين تعكس هذه الظاهرة تنامي مشاعر الضيق من تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
اذا كان انتحار محمد البوعزيزي أثار صدمة في المجتمع والعالم، الا أن الظاهرة بدأت “منذ أكثر من عشر سنوات”، بحسب ما تقول الدكتورة فاطمة الشرفي الاخصائية في الطب النفسي.
وترأس الشرفي لجنة لمكافحة الانتحار أسستها وزارة الصحة ودق اختصاصيون “جرس الإنذار” وصيحات فزع في هذا الشأن.
وتتمثل مهام اللجنة في وضع استراتيجية وقائية وسجلّ وطني يتضمن إحصاءات حول الانتحار، وذلك للمرة الاولى في تاريخ البلاد.
في 2015، انتحر في تونس التي يقطنها نحو 11 مليون نسمة، 365 شخصا أي ما يعادل 3،27 حالة انتحار لكل مئة الف نسمة، وفق اللجنة.
وحوالي نصف المنتحرين شباب تتراوح اعمارهم بين 30 و39 عاما.
وعلى الرغم من أن حالات الانتحار في تونس بعيدة عن النسب المرتفعة المسجلة في بلدان أخرى، إلا أن فاطمة الشرفي ترى في ارتفاعها “المستمر” أمرا “خطير جدا”. وبما ان السجل الوطني لمعدلات الانتحار ليس موجودا بعد، من الصعب قياس هذا الارتفاع.
الا ان الشرفي تقول “عندما نقارن بيانات بعض مصالح الطب الشرعي للسنوات 1990 و2000 وبعد سنة 2010، نلمس هذا الارتفاع”.
احرق البائع المتجول محمد البوعزيزي (26 عاما) نفسه أمام مقر محافظة سيدي بوزيد (وسط غرب) بعدما سكب على جسمه البنزين، احتجاجا على مصادرة الشرطة عربة الفواكه التي كان يعتاش منها.
توفي البوعزيزي في المستشفى متأثرا بحروقه، وقد أججت وفاته انتفاضة شعبية أطاحت بنظام الديكتاتور بن علي الذي هرب الى السعودية بعد الثورة، ارتفعت نسبة حالات الانتحار حرقا، تحت “تأثير البوعزيزي”، وفق مختصين.
ف، مثل الانتحار حرقا نسبة أكثر من 15 بالمئة من مجموع الانتحارات مقابل نحو 60 بالمائة للانتحارات شنقا و6،5 بالمئة للانتحارات بتناول الادوية.
وفي السنوات الاخيرة، برزت ظاهرة التهديد او محاولة الانتحار حرقا، سواء بشكل فردي او جماعي، خصوصا في صفوف خريجي جامعات عاطلين عن العمل ويطالبون بوظائف.
وقالت الدكتورة فاطمة الشرفي “كنا ننتظر تسجيل بداية انخفاض (في حالات الانتحار حرقا) سنة 2015 لكنها بقيت مستقرة منذ 2011”.
وينجم الانتحار دائما عن تراكم عوامل، ويأتي في الغالب إثر الإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب.
ويربط عبدالستار السحباني، المسؤول في “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” (منظمة غير حكومية)، بين تدهور المناخ الاقتصادي والاجتماعي في تونس بعد الثورة وإقدام أشخاص يعيشون ظروفا صعبة على الانتحار.
ويقول “طبعا (لانتحار) مرتبط” بالمشاكل السوسيو-اقتصادية و”نتيجة لفقدان الأمل”.
وفي تونس، معظم العاطلين عن العمل هم من الشبان.