توجد بأرخبيل فانواتو الصغير بأوقيانوسيا أكثر من مئة لغة؛ مما يجعله إحدى أعلى المناطق كثافة لغوية في العالم.
والغريب في الأمر أن أصل كل هذه اللغات الــ138 هو لغة واحدة كان يتحدثها سكان أوسترونيزيون، الذي ينحدرون قديما من تايوان الحالية، وقد اندثروا كليا، بينما يظهر تحليل الخارطة الجينية لسكان فانواتو الحالية أنهم أقرب إلى بابوا غينيا الجديدة.
ولا غرابة في أن يحل سكان جدد محل شعوب مستقرة سابقا، ولكن من النادر أن يحتفظ القادمون الجدد بلغة السكان الأصليين، ووفقا لدراسة نشرت في مجلة “الطبيعة والبيئة”، فإن هذه الميزة تجعل من أرخبيل فانواتو حالة فريدة من نوعها في العالم.
واعتمد فريق دولي على عدة تخصصات لتتبع تاريخ هجرة هذا الشعب، ومن خلال الجمع بين التحليلات الجينية واللغوية، تمكنوا من تفسير الكيفية التي استطاعت بها اللغة الأصلية أن تقاوم لأكثر من ثلاثة آلاف سنة.
وحسب الباحث في مختبر لاسيتو للغات ذات التقاليد الشفوية ألكسندر فرانسوا، فإن “هذا اكتشاف كبير يثير لغزا حقيقيا؛ إذ إن المعهود هو أن يفرض السكان الذين يغزون أقاليم جديدة لغتهم، أما بالنسبة لفانواتو فإن ما تم هو عكس هذا النمط تماما”.
ولفهم ما حدث لا بد من العودة نحو ثلاثة آلاف سنة إلى الوراء، أي إلى الفترة التي وصل فيها شعوب لابيتاس (السكان الأولون لهذا الأرخبيل) إذ يبدو من البحوث العلمية التي تتبعت هجرتهم أنهم خرجوا من تايوان قبل 5500 سنة، ولم يصلوا إلى أرخبيل فانواتو إلا بعد ذلك بنحو ألفي سنة.
من وجهة النظر الوراثية، يقترب لابيتاس من سكان شرق آسيا، وقد جلبوا معهم لغتهم الأسترونيزية، وبعد ذلك بنحو خمسمئة سنة، قدم شعب بابوا من بابوا غينيا الجديدة.
والملاحظ اليوم أن شعب البابوا استبدل في نهاية المطاف شعوب لابيتاس، وكانت عملية الهجرة بطيئة ومستمرة، لكن من وجهة نظر لغوية تم استيعاب شعب بابوا تماما.