القاهرة- في خطوة تهدف إلى التخفيف من معاناة الفئات الأكثر احتياجا، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، الدكتورة مايا مرسي، عن دراسة لإحياء مشروع “التكية الإسلامية” برؤية عصرية، باعتبارها أحد الحلول المستدامة لدعم الفقراء والمحتاجين في المجتمع.
ويهدف المشروع إلى تقديم وجبات غذائية مجانية يوميا للفئات التي تعاني فقرا مدقعا أو تفتقر لمصدر دخل ثابت، وذلك بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، وتحت رقابة تضمن الكفاءة والشفافية الكاملة في تقديم الخدمات.
وأوضح الدكتور محمد العقبي، مساعد الوزيرة للاتصال الإستراتيجي والمتحدث الرسمي باسم الوزارة، أن تصريحات الوزيرة جاءت بعد نجاح مبادرة “أهل الخير للإطعام” خلال شهر رمضان الماضي، والتي أثمرت عن توزيع أكثر من 52 مليون وجبة، بالتعاون مع عدد من الجهات المجتمعية.
وأشار إلى التشابه في الهدف بين المبادرة وفكرة “التكية” التاريخية، قائلا إن “هناك تشابها كبيرا بين فكرة الإطعام وتقديم الوجبات الساخنة والوجبات الطيبة المعدة باهتمام سواء لغير القادرين أو الأسر الفقيرة أو غيرها، هو نفس الدور تقريبا الذي كانت تقوم به التكية، لذا حدث الربط بين المفهوم التاريخي للتكية، وما طرحته الوزيرة”.
وأكد أن تنفيذ المشروع الضخم يتطلب تنسيقا وشراكة مع جميع أجهزة الدولة والوزارات لضمان نجاحه، مضيفا: “ننسق مع وزارات التنمية المحلية والصحة والأوقاف، لأننا سنحتاج إلى استخدام عديد من الأماكن التابعة للأوقاف، في النهاية، نحن لا نعد مشروعا للوزارة لكن خدمة للمواطن المصري، والمرجو من كل هذا الجهد هو رضا المواطن”.
إعلان
إعلان الوزيرة أعاد إلى الواجهة تساؤلات حول مفهوم “التكية” وأصولها التاريخية، كما فتح الباب أمام نقاشات واسعة بشأن جدوى المشروع وآلية تطبيقه، ومدى ملاءمته لمتطلبات التنمية الحديثة.
مقاربات جديدة لمعالجة الفقر
من جانبه، اعتبر الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن تفاقم معدلات الفقر في المجتمعات يتطلب حلولا مستدامة لا مؤقتة، معتبرا أن طرح فكرة التكية يأتي ضمن هذه المحاولات. لكنه في الوقت نفسه أبدى تحفظه الشديد على المشروع، مشيرا إلى أنه يحمل “فشلا ضمنيا” في مضمونه، لا سيما من خلال تسميته.
وفي حديث للجزيرة نت، شدد هندي على ضرورة تجنب الصبغة الدينية في مثل هذه المشاريع الاجتماعية، لافتا إلى أن المسيحية أيضا لها مبادرات ومؤسسات خيرية نشطة تخدم الفئات الفقيرة منذ عقود.
موروث ثقافي
ورأى هندي أن اسم “التكية” نفسه يرتبط في الوعي الشعبي المصري بجلسات الذكر الصوفية والانقطاع عن العمل، وهو ما لا يتماشى مع المفاهيم المعاصرة التي تشجع على العمل والإنتاج، مضيفا: “هذا الموروث الثقافي غير محفز، ولا يتماشى مع التنمية التي ننشدها”.
وأشار إلى أن دعم الفقراء لا ينبغي أن يقتصر على تقديم الطعام، بل يجب أن يترافق مع خطط لتعليمهم وتأهيلهم وتوفير فرص عمل لهم، وهو ما يتوافق مع توجه الدولة نحو التنمية المستدامة. وأضاف: “المطلوب رفع قيمة الدعم التمويني، وزيادة مخصصات برنامج تكافل وكرامة، إلى جانب مشاريع تنموية حقيقية تعزز من كرامة الإنسان”.
واختتم تصريحاته مؤكدا دعمه أي مبادرة تستهدف الفئات المهمشة، لكنه دعا إلى اعتماد أساليب حديثة، مثل التقديم الإلكتروني للطلبات بدلا من الوقوف في طوابير انتظار المساعدة، بما يحفظ كرامة المحتاج.
من جانبه، دعا الدكتور عبد الرحيم ريحان، خبير الآثار وعضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، إلى إعادة توظيف التكايا بوصفها كيانات اجتماعية وخدمية، مشيرا إلى أنها كانت ملاذا للفقراء وعابري السبيل، قبل أن تتحول في مراحل لاحقة إلى مراكز للذِكر الصوفي فقط.
وبيّن ريحان -في حديث للجزيرة نت- أن التكية تعد من المنشآت الدينية المهمة التي تعود إلى العصر العثماني، إذ نشأت في الأناضول وامتدت إلى ولايات الدولة العثمانية، وكذلك في سلطنة مغول الهند وما قبل الدولة الصفوية في إيران.
وأضاف أن التكايا كانت في البداية مخصصة لإقامة المتصوفة المنقطعين للعبادة، لكنها أدت لاحقا وظائف أخرى، مثل تطبيب المرضى، وهو الدور الذي كانت تضطلع به البيمارستانات في العصرين الأيوبي والمملوكي بمصر قبل أن يضمحل دورها مع دخول العثمانيين.
وأشار إلى أن كلمة “تكية” أصلها فارسي وتعني “مكان الاستراحة” أو “الدعامة”، وقد تطور دورها لاحقا لتكون مأوى للفقراء والمسافرين، بل وحتى المحتضرين، وكانت تمول غالبا من أوقاف خاصة أو تبرعات من كبار الدولة.
دعم الفقراء
وأوضح ريحان أن التكايا في العصر العثماني تحولت إلى مأوى للعاطلين عن العمل، خاصة من المهاجرين العثمانيين إلى الولايات الغنية مثل مصر والشام، وكان يطلق على سكانها اسم الدراويش، حيث كانوا يعيشون على المخصصات الشهرية التي تصرف لهم من التكية.
وأشار إلى أن الإنفاق على التكايا كان يتم من خلال أوقاف خصصها سلاطين آل عثمان وأمراء المماليك وكبار المصريين، لتوفير سكن ومعيشة لروادها، مما جعل منها منظومة متكاملة للرعاية الاجتماعية.
وفي ضوء ذلك، يرى ريحان أن إعادة إحياء التكايا برؤية معاصرة لا يتعارض مع التوجه التنموي، شرط أن يعاد تأطيرها لتواكب معايير الشفافية والعدالة الاجتماعية، وتفتح أمام الجميع دون تمييز ديني أو طبقي، بحيث تصبح جزءا من شبكة حماية مجتمعية أوسع.