انا امرأة متزوجة منذ 12 سنة ، أعيش في سعادة ، ولله الحمد ، زوجي ملتزم ، وفي حالة مادية جيدة ، لكن لديه تقصير في بعض العبادات الواجبة ، منذ ثلاث سنوات طرأت علينا مشكلة قلبت حياتي رأساً على عقب ، وكان زوجي المسبب لها ، والمشكلة في مجملها تقوم على تبادل زوجي رسائل الجوال التي لا تليق به كملتزم ، وكرجل متزوج ( يعني أقصد أن الرسائل فيها كلام لا يقال إلا للزوجة ) وكان يتبادلها بل ويرسل أغلبها لابنة أخيه غير المتزوجة ، والتي هي في عمره . اكتشفت هذا الموضوع بقدرة الله ، وحدثت بيننا مشاكل عنيفة ، وكان زوجي في الغالب يظهر منه الندم على ما فعل ، ولكنه بعد فترة من الزمن يعود ، وبسبب هذه المرأة ، زوجي رجل كريم ، وطيب ، ويحبني ، ويحب أهلي ، ولكنه عصبي جدّاً ، وعنده تقصير في عباداته ، وخاصة الصلاة ، لا أريد أن أشرح مزيداً من المشاكل ، وسأعرض عليك المشكلة التي وقعت فيها الآن ، لم يضربني زوجي في حياته إلا بخصوص هذا الموضوع ، فقد ضربني مرتين ، وكلها عنيفة ، وكانت المشكلة بخصوص ابنة أخيه هذه. لقد حدثت مشكلة بيننا ، ولي الحق أن أغضب منه ، لكنني أخطأت على زوجي في الأسلوب ، ورفعت صوتي عليه ، وأنا أعترف بذلك ، لم تطل المجادلة ، فقد قام زوجي بسحبي إلى غرفة النوم ، وبدأ بالضرب الشنيع . لقد ضربني ضرب الحيوانات ، فهو ضخم الجسم ، قوي البنية ، فانهال عليَّ ضرباً بكل قوة ، حيث قفل باب الغرفة لكي لا أهرب منه ، وضربني لمدة عشرين دقيقة ، أو تزيد ، ضرباً موجعاً ومبرحاً ، وبكل قوة وشراسة ، وبدون خوف من أن يحدث لي مكروه من ذلك ، على العموم كنت أقاوم ، ولكني لم أستطع الفرار ، وبعد الضرب الموجع
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
قد وقع هذا الزوج – على حسب ما ورد في السؤال – في كثير من المخالفات ، ويستحق الأمر أن نقف معها ، فلعلَّ الله أن يغيِّر حاله ، وحال من هو مثله إلى أحسن منها ، ومن هذه المخالفات الشرعية في فعله :
- مخالفة الأمر في المعاشرة بالمعروف .
وقد أمر الله تعالى الزوج بمعاشرة زوجته بالمعروف نصّاً ، فقال عز وجل : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 .
- الوقوع في إثم الظلم .
والظلم محرّم في الكتاب والسنَّة ، وضرب الرجل لامرأته من غير مسوغ : ظلم بيِّن ، والظلم ظلمات على صاحبه يوم القيامة .
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : ( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا ) .
رواه مسلم ( 2577 )
قال ابن جرير الطبري – رحمه الله – :
والصواب من القول في ذلك عندنا أنه غير جائز لأحدٍ ضرب أحد من الناس ، ولا أذاه ، إلا بالحق ؛ لقول الله تعالى ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/ 58 ، سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها ، أو كان مملوكا أو مملوكة وضاربه مولاه ، أو كان صغيراً وضاربه والده ، أو وصي والده وصَّاه عليه .
” تهذيب الآثار ” ( 1 / 418 ) .
- مخالفة الأمر بعدم الضرب المبرح .
عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع : ( اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .
رواه مسلم ( 1218 ) .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 10 / 24 ) :
ويجب أن يكون الضّرب غير مبرّح ، وغير مدمٍ ، وأن يتوقّى فيه الوجه والأماكن المخوفة ، لأنّ المقصود منه التّأديب لا الإتلاف ؛ لخبر : ( إنّ لكم عليهنّ ألاّ يوطئن فُرُشَكم أحداً تكرهونه ، فإنْ فعلنَ فاضربوهنّ ضرباً غير مبرّح ) .
ويشترط الحنابلة ألاّ يجاوز به عشرة أسواط ؛ لحديث : ( لا يجلد أحدٌ فوق عشرة أسواطٍ إلاّ في حدّ من حدود اللّه ) .
انتهى .
وليعلم الزوج – وغيره – أن من ضرب غيره سوطاً بغير حق : فإنه متوعد عليه بالعقوبة يوم القيامة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة ) .
قال الهيثمي – رحمه الله – :
رواه البزار والطبراني في ” الأوسط ” ، وإسنادهما حسن .
” مجمع الزوائد ” ( 10 / 353 ) .
وهو في الطبراني في ” الكبير ” ، وحسَّنه المنذري ، وصححه الألباني ، انظر ” صحيح الترغيب والترهيب ” ( 2291 )
- الضرب على الوجه
عَنْ مُعَاوِيَةَ بن حَيْدَة الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) .
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَلَا تُقَبِّحْ : أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ .
رواه أبو داود ( 2142 ) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال : نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضَّرْبِ في الْوَجْهِ.
رواه مسلم ( 2116 ) .
قال النَّوَوِيُّ – رحمه الله – :
وأما الضرب في الوجه : فمنهيٌّ عنه في كل الحيوان المحترم ، مِن الآدمي ، والحمير ، والخيل ، والإبل ، والبغال ، والغنم ، وغيرها ، لكنه في الآدمي أشد ؛ لأنه مجمع المحاسن ، مع أنه لطيف ؛ لأنه يَظهر فيه أثر الضرب ، وربما شانه ، وربما آذى بعض الحواس .
” شرح مسلم ” ( 14 / 97 ) .
وهذا الذي حصل من الزوج هو من هذا الباب ، فقد وقع ضربه على وجهها حتى شانه ، وربما أثَّر ضرب رأسها على دماغها ، وسمعها .
- أنه لجأ إلى الضرب قبل الوعظ والهجر في المضجع .
وقد ذكر الله تعالى ما ينبغي للزوج فعله إن أراد تقويم امرأته ، فبدأ بالوعظ ، وثنى بالهجر في المضجع ، وثلَّث بالضرب ، واللجوء إلى الضرب مخالف لهذا الترتيب لو كان ضرباً موافقاً للشرع ، فكيف وهو مخالف له أصلا في كمه وكيفه ؟! .
قال تعالى : ( وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/ من الآية 34 .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 10 / 23 ، 24 ) :
طرق تأديب الزّوجة :
أ. الوعظ .
ب. الهجر في المضجع .
ج. الضّرب غير المبرّح .
وهذا التّرتيب واجب عند جمهور الفقهاء ، فلا ينتقل إلى الهجر إلاّ إذا لم يجد الوعظ ، هذا لقوله تعالى : ( واللّاتي تخافون نشوزَهنّ فعِظُوهنّ واهجروهنّ في المضاجِع واضربوهنّ ) . جاء في ” المغني ” لابن قدامة : في الآية إضمار تقديره : واللّاتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ ، فإن نشزن فاهجروهنّ في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهنّ .
وذهب الشّافعيّة – في الأظهر من قولين عندهم – إلى أنّه يجوز للزّوج أن يؤدّبها بالضّرب بعد ظهور النّشوز منها بقول أو فعل ، ولا ترتيب على هذا القول بين الهجر والضّرب بعد ظهور النّشوز ، والقول الآخر يوافق رأي الجمهور .
انتهى
- التسبب في سوء تربية الأولاد .
حيث وقع الضرب على أمهم بمسمعٍ منهم ، وحيث رأوا آثار الضرب على وجهها وجسمها ، فأي تربية يمكن أن يربيَّها هذا الأب لأولاده ؟ وكيف سيتعلَّم هؤلاء احترام والدهم وتقديره ومحبته ؟! .
رابعاً:
كان هديه صلى الله عليه وسلم أكمل هدي ، فلم يضرب في حياته كلها صلى الله عليه وسلم خادماً ، ولا امرأة من نسائه رضي الله عنهن .
عن عَائِشَةَ رضي الله عنه قالت : ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ ، وما نِيلَ منه شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ من صَاحِبِهِ إلا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ من مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عز وجل .
رواه مسلم ( 2328 ) .
قال النووي – رحمه الله – :
فيه أن ضرب الزوجة والخادم والدابة وإن كان مباحاً للأدب : فتركه أفضل .