قد أتعجب من أن يقوم إنسان ما بجريمة بشعة ويكررها بصورة همجية، ولكني سأكون أكثر تعجباً بل سأكون مندهشاً لو توقع هذا الإنسان أن يصفه الناس بأنه مثال للإنسانية والرحمة.
وللأسف الشديد فهذا المثل يتشابه إلى حد كبير وينطبق مع أوضاع كثيرة في العالم الإسلامي تتسم بتناقض واضح يصل أحياناً إلى درجة “الشيزوفرينيا” الفكرية.
فمن أهم أعراض “الشيزوفرينيا” الإيمان والاعتقاد اليقيني بشيء يتناقض تماماً مع الواقع و الحقيقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر أن يقتنع إنسان ما ويصر أن “فيلاً” كبيراً يدخل عليه كل يوم من ثقب الباب هو أمر يتناقض تماماً مع الواقع، وهو أن الفيل كبير الحجم ومن المستحيل أن يمر من ثقب الباب “الصغير” جداً.
ودعونا نرى بعض الأمثلة فى عالمنا العربي والإسلامي والتي تتسم بالتناقض الواضح مع الواقع أو – كما ذكرنا أعلاه- تصل إلى حد الشيزوفرينيا.
فعلى سبيل المثال يؤمن كثيرون فى العالم الإسلامي أن الغرب يضطهد المسلمين، وذلك ينتاقض تماماً مع الواقع، حيث أن الغرب استقبل الملايين من المهاجرين المسلمين، بل وسمح لهم ببناء الآلاف من المساجد والمدارس الإسلامية على أرضه بل ودعم بعضها.
وهذا التناقض الصارخ بين ما يؤمن به كثيرون فى العالم الإسلامي وبين الواقع المدعوم بالأدلة الدامغة لا يمكن وصفه بأقل من أنه نوع من أنواع الشيزوفرينيا المَرَضية التي تحتاج إلى علاج، فلو نحن عقدنا مقارنة بين عدد الكنائس أو دورعبادة غير المسلمين داخل العالم الإسلامي والعربي فى العقود السابقة وبين عدد المساجد الإسلامية التي تم بناؤها فى الغرب في نفس المدة الزمنية لعرفنا بوضوح من يضطهد الآخر!
ومن أحد شواهد هذه الشيزوفرينا الفكرية أن يتعجب البعض في العالم الإسلامي متسائلين كيف لا يرى الغرب أن الإسلام هو دين السلام؟، بالرغم من التناقض الواضح بين هذه المقولة وبين مبادئ أساسية فى الشريعة الإسلامية مثل وجوب قتال غير المسلمين لإخضاعهم للإسلام بعد تخييرهم بين الإسلام أو دفع الجزية أو القتل كما حدث فى تاريخ الخلافة الإسلامية منذ بدايتها وكما تُدرِّس كتب التراث (حتى يومنا هذا!).
وعل غرار ذلك يصر كثيرون من مشايخ وفقهاء الإسلام فى عصرنا الحالي أن الإسلام هو الذي احترم حرية العقيدة، وهو الذي أعطى المرأة حقوقها، وأنه أول من احترم حقوق الإنسان، بالرغم من التناقض الواضح بين هذه الاعتقادات وبين ما يقوم بتدريسه نفس الشيوخ بأن قتل المرتد واجب شرعي، وأن ضرب المرأة مباح للرجل، وأن الرق مشروع، وأن اغتصاب أسيرات الحرب جنسياً تحت مسمى “ملك اليمين” حلال، وأن المسلم لا يُقتَل بغير المسلم، لأن دم المسلم فى نظرهم “أعظم” عند الله من دم الكافر. فهل تتفق هذه التشريعات اللا إنسانية مع مقولتهم بأن الإسلام هو من احترم حرية العقيدة وأنه هو من أعطى المرأة حقوقها وأنه أول من احترم حقوق الإنسان؟
ومن نفس المنطلق يتعجب كثيرون في العالم الإسلامي متسائلين لما لا يؤمن الغربيون أن رسول الإسلام هو قدوة للإنسانية جمعاء؟ بالرغم من أن كتب التراث الإسلامي تدرس أنه (عليه السلام) تزوج وعاشر جنسياً طفلة فى التاسعة من عمرها وهى عائشة بنت أبى بكر الصديق وهو في الخمسينيات من عمره؟.
ليس ذلك فحسب بل إنه بارك قتل “أم قرفة” وهي شاعرة كانت تهجوه بشعرها بأن “ربطها في ذَنَب فرسين وأجراهما فتقطعت” (كما جاء فى صحيح البخارى كتاب المغازي!) وأنه أباد رجال قبيلة يهودية عن أكملها وسبى نساءهم كما ذكرت لنا كتب التراث الإسلامي.
فهل ينتظر المسلمون بعد ذلك أن يعتبر الغربيون أن “محمداً” هو سيد الخلق وهو الأسوة الحسنة للبشرية جمعاء؟ ولا تكفي أي كلمات لوصف هذا التناقض الفكري الشيزوفريني بين تعجبهم وبين واقع ما يقومون بتدريسه عن الرسول!
ومن مظاهر هذه الشيزوفرينا الفكرية أيضا الاقتناع المطلق بأن اليهود يخربون اقتصاد الأمم التي يعيشون فيها – فى حين أن الواقع يثبت العكس تماماً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن اقتصاد مصر كان فى قمته وقت وجود اليهود فيها قبل ثورة 23 يوليو، وانهار اقتصادها كما رأى الجميع بعد طرد اليهود منها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ولو كان اليهود يتسببون فى خراب اقتصاد الدول كما يؤمن البعض لرأينا ازدهاراً في اقتصاد مصر بعد أن طردهم عبد الناصر فى ستينيات القرن الماضي.
والتناقض هنا ليس فقط تناقضاً واضحاً بل هو تناقض صارخ بين اعتقاد يؤمن به كثيرون في العالم الإسلامي، وبين واقع اقتصادي يمكن قياسه بالأرقام وبقيمة العملة وبغيرها من وسائل القياس الاقتصادية الحديثة.
ونحن هنا أمام ظاهرة لابد من دراستها وهي التناقض الشديد بين بعض المعتقدات السائدة في العالم العربي والإسلامي وبين الحقائق الواضحة والجلية على أرض الواقع.
وحتى يتم علاج هذه الشيزوفرينا الفكرية فى عالمنا الإسلامي وإلى أن يتم اتباع المنطق في الحكم على الأشياء، فسيستمر التطرف والعصبية والتشنج الديني الذي لا ينتج عنه سوى الكراهية والعنف.