إيه هو الجمال الصافي؟ في عالمنا الرأسمالي الأكل عيشي، عيوننا ووداننا وحواسنا استسلمت من زمان للقبح والقهر والعنف، بس لسه فيه ناس مؤمنة بالجمال الصافي، وبتحاول تخطفه في رسمة بالألوان على الحيطان الأسمنتية، في غمزة من البنت اللي صابغة شعرها بالأكسوجين أو الواد اللي دايما واقف جنب الكشك، في حركة كروية ماهرة من رونالدو أو ميسي. في اللمحات دي، الجمال بيظهر كأنه إحساس بالانتعاش، بس الإحساس ده مش ممكن يوصف الجمال الصافي حسب تعريف الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط. في كتابه الشهير عن “نقد حكم الذوق”، كانط أسس الفلسفة الجمالية الأوروبية الحديثة. الكتاب ده آخر كتاب لكانط وأغربهم: في كتاباته الأولى عن “نقد العقل الخالص” و”نقد العقل العملي”، كانط كان مشغولا بالضوابط والقواعد اللي بتخلينا ندرك العالم كبني آدمين عاقلين، وحاول يكشف الحدود الموضوعية للتفكير والتدبير والأخلاق. إنما في “نقد حكم الذوق” كانط اهتم بموضوعية قدرة بشرية مش موضوعية بالمرة، والقدرة دي بتحدد إزاي نقدر نحكم على جمال الأشياء. في رأي كانط، الجمال مالوش أي علاقة بالإحساس أو الأخلاق. الشيء مابيبقاش جميل عشان إحنا حاسين بجماله، زي ما بنحس بجمال الرسومات والستات والرجالة والكورة، ومابيبقاش جميل بما إنه أخلاقي، زي ما عمرو خالد حاسس بجمال الحياة والحياء. الجمال في رأي كانط لازم يبقى نزيه تماما، ومايبقاش منحاز للشيء بعينه، يعني أي حد بيتفرج على الشيء لازم يعرف إنه جميل في المطلق، وإجماع الناس على الجمال النزيه هو أساس الحكم على جمال الأشياء بذوق (أو بملكة الذوق في تعبير كانط). النزاهة دي منحازة للحكم الجمالي فقط، ولذلك الجمال عنده وضع عقلاني خاص، حسب كانط. نظريات كانط عن الجمال ما زالت منتشرة في العالم الثقافي الأوروبي، اللي شايف إن أي حاجة بتتعرض في المتحف أجمل بشكل موضوعي، وإن الفنان بيخلق أحلى فن بشكل موضوعي، لأن الناس بتجمع على جمالها النزيه زي ما أي بني آدم يقدر يحكم على جمال المونا ليزا وعبقرة ليوناردو دا ڤينشي. رؤية كانط عن الجمال يمكن تكون دقيقة في سياق ثقافي نخبوي، إنما صعب إن الواحد يعممها بره السياق ده لسببين. شاهد أيضا شهاب الخشاب يكتب «الفهامة 60».. الصنعة أولاً كانط معتمد إن فيه إجماع ضمني بين الناس على الجمال الصافي، بس تصوره عن “الناس” دول تصور نخبوي: إذا كان واخد في الاعتبار ناس من أجناس مختلفة وطبقات مختلفة وبلاد مختلفة ماكانش هيعرف يلاقي الإجماع ده في الواقع. إنما كانط ماكانش مهتم بالواقع، وبالتالي كان شايف الإجماع على الجمال زي الإجماع عند الفقهاء، كأنه إجماع بين صفوة من العلماء. يعني الرؤية الكانطية للجمال رؤية منحازة ضمنيا للتميز الاجتماعي زي ما قال عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو (يعني إيه تميز؟)، لأنها بتفترض وجود صفوة من البشر المتعلمين بتوع المدارس بيعرفوا يقدّروا الجمال الصافي بين بعض. ثانيا كانط بيفترض إن حكم الذوق بيفرّق بين المتذوق والشيء اللي بيتذوقه، وبالتالي نظرته للجمال مالهاش علاقة بالانبساط لأن المتذوق لازم يحكم على الجمال ببرود. يعني الجمال في عين الناظر حسب كانط، بس الناظر ده لازم يكون عنده ذوق معيّن ونزاهة معينة عشان يحكم كأنه ناظر مدرسة، بيراقب طلابه مش مجرد واحد بيتفرج وبيستمتع. إنما كلنا مدركين من خبرتنا الجمالية اليومية إن الإحساس بالجمال أهم من نزاهته، لأن الشيء الجميل النزيه بارد، ومالوش علاقة باللي بيشد البني آدم للجمال. أهمية الجمال في حياتنا مش في الأحكام الباردة دي، كأننا في محكمة كبيرة: أهمية الجمال إنه بيشدنا إحنا وحواسنا وانتباهنا وبيخللينا نقول “الله!”، مش عشان نحكم بنزاهة على الحلو والوحش، إنما في الآخر عشان ننبسط.