حبها وشغفها للخياطة بدأ منذ سن المراهقة. ورغم صغر سنها استطاعت لفت الأنظار بسحر أزيائها وأناقتها. إنها مصممة الازياء الفرنسية من أصول سعودية سكينة شبيب صاحبة علامة Sakina Paris . التي تميزت بحبها في دمج شفافية التقليد الفرنسي مع حس الرفاهية في الثقافة الشرقية. كان لنا لقاء معها حدثتنا فيه عن بداياتها وخبراتها في دور الأزياء العالمية.
– متى علمت أن الموضة جزء مهم من حياتكِ؟
خلال سنوات المراهقة كنت أساعد والدتي في الخياطة في الريف الفرنسي. ويعود الفضل في نجاحي وشغفي بالموضة لأمي التي علّمتني فنون الحياكة لمدة سبع سنوات، حيث كنت أساعدها يومياً بعد عودتي من المدرسة، في تصميم فساتين الأعراس لزبوناتها. وهي لم تكن قادرة على أن تؤمّن لنا تكلفة الملابس الثمينة التي تُباع في الأسواق، لذلك كانت تصممها لنا بنفسها. وعندما أصبحت في سن الرابعة عشرة، بدأت بتصميم خزانتي الخاصة، وكانت زميلاتي في الصف يبدين أعجابهن بمظهري وبأزيائي. في هذا الوقت بدأت في التفكير الجدّي بأن أصبح مصممة أزياء.
– كيف بدأت أولى خطواتك في عالم تصميم الأزياء؟
كنت محظوظة بحصولي على منحة دراسية من الدولة مباشرةً بعد الثانوية العامة، وعندما انتقلت للعيش في باريس حيث كنت مراهقة ساذجة، كان عليّ تعلم كل الأصول التي تجعل مني فتاةً باريسية. وقد تعلمت ذلك بسرعة قياسية، ومن ثم تقدمت بطلب لدخول «L’ةcole de la Chambre Syndicale de la Couture Parisienne» وتخرّجت فيها عام 2012. حصلت على سلسلة من التدريبات المذهلة في دور باريسية كبرى وتعلمت مجموعة ضخمة من التقنيات. وفي أوائل عام 2015، قررت تصميم مجموعتي الخاصة، فقد شعرت بأن لديّ شيئاً مميزاً لأقدمه، وكنت مستعدة لخوض المنافسة.
– من أين استلهمت مجموعتك؟
بالنسبة إلى الأزياء الراقية Haute Couture، أدمج شفافية التقليد الفرنسي مع حس الرفاهية الموجود في الثقافة الشرقية. فالطابع الفرنسي يتميز بالأناقة مع القليل من البساطة. ومن ناحية أخرى، يُظهِرُ الطابع العربي تعبيراً قوياً عن الجمال ممزوجاً بجاذبية حقيقية. أحب رموز الجمال الكلاسيكية التي تمثّل لي تعبيراً طبيعياً. لكنني مفتونة أيضاً بتقنيات التطريز الكثيرة التي تعلمتها خلال سنوات أمضيتها في «لو مارييه» (Lemarié)، دار «شانيل» (Chanel) للتطريز، وخصوصاً الترتر والتطريزات التي تُبرز جمال الفستان، ما يجعلك تستحقين تصنيف «الأزياء الراقية»، وساعات العمل التي تنكبين خلالها على صنع الثوب، كلما كانت طويلة، كان العمل أفضل…! أصبحت مهووسةً بفن تصميم التطريز، والتحدي الفني لحياكة الآلاف من الحلي الصغيرة، ومن أزهار الجلد المصنوعة يدوياً، والبتلات المصنوعة من الأورغانزا إلى الأكسسوارات الصدفية… محور مجموعتي الجديدة هو ثوب مصنوع يدوياً من 3640 زهرة مختلفة تمّ قصُها من جلد العجل، واستغرق صنعه شهرين.
– تمتاز تصاميمك بالرومانسية والأنوثة، فهل تعتبرين أنها تعكس شخصيتك؟
مجموعاتي هي امتداد لشخصيتي. كلها تعكس جانباً من حياتي. أنا شخص خجول ومرهف، رومانسي في الداخل وحساس. أُضفي بعضاً من الخفة والنعومة على أسلوبي.
– لقد تدربت في دور عريقة، دار «شانيل» ومن ثم «جيفنشي»… ما الذي تعلمته؟
بعد تخرّجي مباشرةً في «L’ةcole de la Chambre Syndicale de la Couture Parisienne»، حصلت على التدريب الأول مع «ألكسندر فوتييه» عام 2012. عملتُ لديه عاماً كاملاً، حيث كنت أنكب على تطريز أزيائه الراقية وتزيينها وزخرفتها. ومن ثم عُيّنت في مشغل دار «جيفنشي»، وكان مطلوباً مني أن أعمل على مجموعة كاملة مصنوعة من الجلد، وهذا العمل لم أقم به من قبل أبداً. ولدى «ريكاردو تيشي» رؤية مظلمة وحديثة لمجموعاته، وكان عليّ التأقلم مع هذه الرؤية. إن العمل على مواد مختلفة (الجلد، السلاسل والألياف اللدنة) ساعدني على إتقان تقنيتي. قُبَيل دخولي الى فريق عمل «شانيل» للألبسة الجاهزة عام 2014، أصبحت أكثر نضوجاً وقدرةً على التفكير بأسلوب نقدي. خبرتي مع «شانيل» جعلتني على بَيّنَةٍ في ما يخص متطلبات الزبائن المميزين والتفاصيل المتعلقة بجودة الثوب. رغم تأصّلهم وتاريخهم العريق فدار «شانيل»، وفي بحث دائم عن تصاميم اختبارية جديدة إذ كنا نستغرق وقتاً طويلاً في رسم التصاميم، وتجريب الألوان، وقص أشكال جديدة، … ويختلف نمط كل مجموعة عن الآخر. ما لا يعرفه الناس هو أن فترة البحث لصنع ثوبٍ واحدٍ كانت تستغرق شهراً كاملاً على الأقل. هذه المجموعة من التجارب علّمتني كيفية تحدي نفسي تقنياً، والخوض في نهج جديد من التصاميم عبر اكتسابي مهارات قوية. إن ما تملكه دور الأزياء هذه من قاسم مشترك، هو أن نجاحها يرتكز على فريق عملها. أنا ممتنة جداً لدعم دور الأزياء الراقية المصممين الناشئين، وكما أتطوّر، أُشجع فريق عملي على التطور معي.
– منذ أطلقتِ مجموعتك الأولى إلى الآن، ما هو التطوّر أو التقدّم الذي حققته على صعيد التصميم؟
أخطأت في بدايتي مع «سكينة باريس» إذ كنت أميل الى التصاميم التي ترضي ذوقي. حين أصبحت أكثر نضوجاً، تعلمت كيفية الإصغاء الى النساء، وفهم احتياجاتهن وتقدير أذواقهن. إن لم يكن هناك علاقة بين مجموعاتك والنساء، فلن تكوني مصممة أزياء ناجحة.
– أخبرينا عن تجربتك في أسبوع الموضة في باريس للأزياء الراقية؟
في أول عرض لي العام المنصرم، اكتشفت أنه عندما يعرض أي مصمم أزياءه خلال أسبوع الموضة، تكون تلك اللحظات هائلة بالنسبة إليه. إنه لتحدٍ كبير تصميم مجموعة وعرضها أمام الناس، خاصة أن المعايير في باريس عالية جداً في هذا المجال، ويكون حكم الناس عليك سريعاً ولن يعطوك فرصة أخرى. يأتي أيضاً صحافيو الأزياء ويلقون نظرة خلال العرض الخاص بك، وإذا اعتبروك موهوبة سيدعمونك. لكن إذا وجدوا أن لا إمكانيات لديك، فسيُقضى عليك بسرعة. بالنسبة إلى مصممة أزياء جديدة غير معروفة مثلي، يكون من الصعب إقناع الناس بأنه لديها شيئاً مميزاً تقدمه لهم… نتعرض لضغوط كبيرة خلال أشهر التحضير الثلاثة.
– هل تعتقدين أن وسائل التواصل الاجتماعي تساعد المصممين المبتدئين على الانطلاق السريع؟
إن الكشف عن بعض النقاط في شخصيتي أثناء عملي، يتيح لمتابعيّ الوثوق بمهاراتي ويسمح لهم بالكشف عن آرائهم حول أي تصميم أنفّذه. فمثلاً، عبر «الإنستغرام» و«الفايسبوك» والآن «سناب تشات»، أعرض صوراً وأفلاماً، وبهذا أتيح الفرصة لزبائني كي يشاهدوا العمل بكامله كما أراه أنا، بدءاً من اختيار الأقمشة حتى اللمسات الأخيرة. فهكذا يحصلون يومياً على رؤية كاملة حقيقية من داخل مصنع الأزياء. أعتقد أن نجاح أي دار أزياء يعتمد على عاملَين: جودة عملك، وثقة الزبائن فيه، وهذا بالفعل يمنحني القوة. وأعتقد أن الموهبة أساسية ومهمة لصنع أسم قوي، ولكن وجود الحس العملي لا يقلُ أهمية أيضاً. يأتي النجاح من التوفيق بين العمل الجاد، والعزم، والشغف، والإبداع والتواصل. أنا لست مهووسة بالتواصل الاجتماعي، لكنه أسلوب يساعد على تعزيز الاسم في حال تمّ استخدامه بالشكل الصحيح.
– هل تفكرين في التعاون مع مدونات الموضة؟ ومن تختارين؟
يعجبني عدد قليل من المدونين، هؤلاء الذين لديهم شيء يقدمونه. فهم لا يقدمون عملاً يقتصر فقط على عرض صورة «الزي اليومي»، بل تمثل الموضة بالنسبة اليهم الانعكاس الثقافي لحاجة اجتماعية. في أيامنا هذه. يُجَسد هؤلاء المدونون موقفاً مُعَيَناً وطريقة عيش مُعينة. ما يتوقعه المستهلك من المدوِّن، هو إضفاء الحياة على ثقافة اليوم. كان لي بعض أوجه التعاون الناجحة مع المدونين العرب.
– من هي أيقونة السينما أو النجمة التي جذبك أسلوبها؟
أنا معجبة كثيراً بنجوم الخمسينات أو الستينات، لأن الزمن أعطاهم قيمة، ومن بينهن «أودري هيبورن»، «غريس كيلي» و «آفا غاردنر» ولائحة ممثلات «هيتشكوك» الطويلة. هنّ يتميَزن بشيءٍ من الغموض ويتعلق الأمر برقّتهنَ وجمالهنَ.
– كيف ترين نفسك بعد عشر سنوات؟
بعد 10 سنوات، أودّ البدء بتصميم الأحذية أيضاً. كما أرغب في أن يكون لدي موزعون لمجموعاتي من الأزياء الجاهزة، في كل أنحاء العالم. إنه لأمر عظيم أن يصبح المرء معروفاً عالمياً. وبعد ذلك، سوف أعلّم أولادي في المستقبل فن الخياطة!
– من هو مصممك المفضل؟
أحترم كثيراً «إيف سان لوران» فهو مصمم بارع وخياط أصيل عرف كيف يجعل النساء جميلات، ولطالما كان مهووساً بالتميّز والمثالية.
يعجبني أيضاً «إيلي صعب» لكونه مصمماً موهوباً جعل من العرب الموهوبين في مجال الأزياء الراقية، مصممين مشهورين. وهو رائد أزياء السجادة الحمراء في «هوليوود».
– ما هي مشاريعك المستقبلية؟
أعمل الآن على مجموعة من الحقائب الفاخرة. هذا المشروع عزيز على قلبي لأنه امتداد لعملي في الأزياء الراقية: كل حقيبة مطرّزة يدوياً بنوعية ممتازة من جلد العجل المستورد من إيطاليا. ونضع الآن التصاميم الأولية للأشكال الزخرفية. فالأكسسوارات امتداد منطقي لعمل المصمم، وأنا أصب كل شغفي في هذا العمل! وفي شهر نيسان/أبريل سيكون هذا المشروع جاهزاً بالكامل.