تسجيل الدخول

سقوط نظام الأسد ليس نهاية المطاف

مقالات
manar29 ديسمبر 2024آخر تحديث : منذ أسبوع واحد
سقوط نظام الأسد ليس نهاية المطاف

لم تأتِ الحرب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر 2023 كونها حدثاً مفاجئاً للمهتمين بمستقبل الصراعات فيها، فالحديث عن حتمية التغيير في توازناتها يدور منذ زمن ليس بالقصير في أوساط نخبها، وذلك لوصول هذه التوازنات إلى مستوى يهدد مصالح الدول التي صنعتها، فعلى مدى العشرين سنة الماضية كانت إيران، وحليفتها سوريا، ووكلاؤها «حزب الله» في لبنان، وحركة حماس في غزة، ولاحقاً جماعة الحوثي في اليمن، ومنذ عام 2014 الفصائل المسلحة العراقية تشكل محوراً تحت مسمى «محور المقاومة»، إلا أن هذا المحور بدأ بالتهاوي في غزة ثم في لبنان، وكان سقوط النظام السوري آخر فصول انهياره، سقوطاً حظي باهتمام غير مسبوق في الدوائر السياسية الإقليمية والدولية ليس لأهميته، وهو فعلاً مهم جداً، بل لما سيترتب عليه من تبعات تعصف بالتوازنات الإقليمية القائمة، وربما بما يتجاوز ذلك.

مسببات سقوط النظام السوري ليست كمسببات سقوط النظام العراقي، فالأول لم يسقط باحتلال أجنبي كما سقط الثاني، كما أن تداعيات سقوطهما تعكس مفارقة كبيرة، فسقوط النظام العراقي سمح بتعبيد الطريق أمام إيران للتواصل مع وكلائها في سوريا ولبنان تعزيزاً لما يسمى «محور المقاومة»، في حين قصم سقوط النظام السوري ظهر هذا المحور، ولكن الحكاية لم تصل إلى نهاياتها بسقوط النظام السوري، فالصراع الدائر في المنطقة له بعد غير معزول عن جوهر الصراع الدولي، الذي تخوضه الولايات المتحدة ضد كل من روسيا والصين اللتين تسعيان لتوظيف النفوذ الذي بنته إيران في المنطقة لمصلحتهما، فميزان القوى في الشرق الأوسط يترنح، ويتحول بطريقة تضعف إلى حد بعيد نفوذ إيران. إلا أن من المستبعد لهذه التوازنات أن تستقر في وقت قريب، فمن السابق لأوانه رؤية صورة المنطقة إلى حين تترجم التوازنات الجديدة سياسياً على أرض الواقع.

سقوط نظام الأسد له استحقاقات عديدة على المستوى المحلي سياسياً واقتصادياً وأمنياً وأخلاقياً، فقد بدأ النظام الجديد بفتح ملفاتها جميعاً، إلا أن أكثر ما حظي باهتمام الدوائر الإعلامية العالمية هي ملفات الفساد والسجون والتعذيب والمقابر الجماعية، والاغتيالات والمخدرات، التي تكشفت عن فظائع لا يمكن تصور حدوثها في بلد له امتداد حضاري عميق في التأريخ، ما حدا بمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لإرسال فريق متخصص لجمع الأدلة عن الجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبت خلال ما يزيد على نصف قرن من حكم عائلة الأسد، وهي قضايا تتعلق بجرائم يمكن أن تجر قادة دول أخرى للمثول أمام القضاء الدولي.

الحرب في الشرق الأوسط لم تصل إلى نهاياتها بسقوط النظام السوري، فالمعلومات المتوافرة عن أهدافها هو إعادة إيران إلى داخل حدودها، وليس لدينا ما يفيد بما هو أبعد من ذلك، فلا يزال يعكر صفو الأمن في المنطقة، وفق الرؤى الأمريكية، التهديدات الصادرة عن الحوثيين في اليمن، وعن الفصائل المسلحة في العراق، التي نفذت ما يقرب من مائتي عملية عسكرية بالصواريخ، وبالطائرات المسيرة ضد المواقع الأمريكية والإسرائيلية.

وفي الوقت الذي تتصاعد الحرب على الحوثيين في اليمن تواجه الحكومة العراقية ضغوطات أمريكية شديدة متصاعدة، عبر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس بعثتها في العراق، ومن قبل المرجع علي السيستاني.

وكان آخرها رسالة مباشره من واشنطن أوصلها وزير خارجيتها في مروره السريع ببغداد، وقد كثرت التكهنات حول ما هو مطلوب إجراؤه في ضوء التغيرات، التي تشهدها المنطقة، إلا أن بعض المعلومات عن جوهر ذلك قد تسرب إلى وسائل الإعلام حين طلع أحد مستشاري رئيس الوزراء العراقي ليعلن أن المطالب التي يراد أن تتحقق هي حل الميليشيات المسلحة ومصادرة السلاح، وحصره بالأجهزة الأمنية، وإلا سيصار لفرض ذلك بالقوة، والحقيقة أن المطالبة بحل هذه الميليشيات، بل حل الحشد الشعبي مطلب لأوساط واسعة ليس في المنطقة الغربية من العراق، بل في محافظات الوسط والجنوب أيضاً، إلا أن من المستبعد جداً أن تقتصر المطالب الأمريكية على ذلك فحسب، فتحجيم النفوذ الإيراني سياسياً واقتصادياً وأمنياً، كما سبق أن أسلفنا لن يتم إلا عبر إعادة النظر بهياكل مؤسسات الدولة العراقية، واستبعاد من لا ينسجم مع أبعاد الرؤية الجديدة خاصة في مواقع صنع القرار، وفي الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الجيش والمخابرات.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.