ما بقي من العامِ، ليس مجرَّد أيَّامٍ قليلةٍ، نعدُّها على أصابعنا، ولا مجرَّد تاريخٍ، يقتربُ، ليُطوى في ذاكرةِ الزمن. ما بقي من العامِ، هو مساحةٌ صافيةٌ، كنافذةٍ مفتوحةٍ في آخرِ الممرِّ، تسمحُ بدخولِ ضوءٍ خفيفٍ، لكنَّه قادرٌ على إنارةِ ما تبقَّى في الداخل.
حين نقولُ “تبقَّى شهرٌ”، فإننا لا نقوله كإعلانِ انتهاءٍ، بل كتنبيهٍ لطيفٍ بأن الحياةَ، ما زالت تمنحنا وقتاً، لنُراجعَ خطواتنا، لنُصحِّحَ ما استطعنا، ولنزرعَ ما نقدرُ عليه من بذورٍ صغيرةٍ قد تنمو لاحقاً في العامِ المقبل.
شهرٌ واحدٌ قد يكون كافياً ليُغيِّر الكثير.
كافٍ ليُولَدَ حلمٌ جديدٌ، أو يتجدَّد أملٌ، كان على وشك الانطفاء، أو تُرمَّم علاقةٌ، أو نغلق أبواباً، لم نكن نمتلك الشجاعةَ لإغلاقها.
كافٍ لنبدأ عادةً صغيرةً، يمكن أن تبني شخصيَّةً كاملةً.
كافٍ لنقولَ لأنفسنا: لقد كنت أقوى مما ظننت.
كثيرٌ من الإنجازاتِ الكبرى، لم تبدأ بخططٍ طويلةٍ، بل بخطوةٍ واحدةٍ صادقةٍ في يومٍ عادي.
وربما يكون هذا الشهرُ هو يومنا العادي الذي ينتظرُ تلك الخطوة.
لنُفكِّر بصدقٍ:
ما الشيءُ الذي أجَّلناه طويلاً على الرغمِ من أنه مهمٌّ؟
ما الفكرةُ التي كنا نؤمنُ بها، ثم تركناها لأننا تعبنا؟
مَن الشخصُ الذي يستحقُّ أن نعتذرَ له؟
ومَن الذي كان يجبُ أن نتركه منذ زمنٍ؟
وما الجملةُ التي يجبُ أن نهمسَ بها لأنفسنا كلَّ صباحٍ؟
ما بقي من العامِ شهرٌ، لكنْ هذا الشهرُ، ليس صغيراً كما يبدو.
هو شهرٌ، يمكن أن يُعيد ترتيبَ حياتك من الداخلِ إذا تعاملت معه بوعي.
هو اختبارٌ: هل نتركُ العامَ يرحلُ كما جاء؟ أم نغلقُه بصفحةٍ، تليقُ بمَن أصبحنا؟
لا أحدَ يستطيعُ أن يُغيِّر مسارَ عامٍ كاملٍ في أيَّامٍ معدودةٍ، لكنْ كلُّ واحدٍ منَّا يستطيعُ أن يُغيِّر اتِّجاهه الداخلي.
أن يقول: من اليومِ سأكون ألطفَ مع نفسي.
من اليومِ سأهتمُّ بصحَّتي قبل السباق.
من اليومِ سأحبُّ دون خوفٍ، وسأعملُ دون تردُّدٍ، وسأحلمُ دون حدودٍ.
الله لا يضيّع لحظةً صادقةً.
ولا يترك قلباً أخلصَ نيَّته وحاول.
لذلك، حتى لو كان ما بقي من العامِ شهرٌ واحدٌ.. فهو يكفي.
يكفي لتكتبَ نهايةً مختلفةً.
يكفي لتبدأ بدايةً جديدةً.
يكفي لتعيدَ ترتيبَ روحك بحيث تستقبلُ العامَ المقبلَ وأنت أخفُّ، أنقى، وأقوى.
ابدأ الآن.
لا تنتظر بدايةَ السنة.
القلبُ يتغيَّرُ حين نُقرِّر، لا حين يتغيَّرُ التاريخ.
فما تبقَّى من العامِ شهرٌ.. لكنَّه قد يكون بزوغَ حياةٍ جديدةٍ.
