وأترككم اللحظة مع مجموعة من الطرائف والقصص المختارة من كتاب البخلاء :
تغدّيت اليوم ؟
حيلة ماكرة كان يلجأ إليها أحد الشيوخ إذا أتاه زائر وأطال جلوسه عنده فيقول له : تغدّيت اليوم ؟ فإن قال نعم ، قال : لولا أنك تغديت لغدّيتك بغداء طيب ، وإن قال لا . قال : لو كنت تغديت لسقيتك خمست أقداح . فلا يصير في يده على الوجهين قليل ولا كثير .
تعليقي : لو كنت مكان الزائر لقلت له : ناولني الأقداح فستكون خير غداء لخير بطن هههه .
الكندي أبخل خلق الله
حدثني عمرو بن نهيوي قال : تغديت يوما عند الكندي فدخل عليه رجل كان له جارا وكان لي صديقا ، فلم يعرض عليه الطعام ونحن نأكل . وكان أبخل من خلق الله . فاستحييت منه ، فقلت : سبحان الله ، لو دنوت فأصبت معنا مما نأكل ! قال : قد والله فعلت . فقال الكندي : ما بعد الله شيء ! قال عمرو : فكَتَّفَه والله كتفاً لا يستطيع معه قبضا ولا بسطا ، وتركه . ولو مد يده لكان كافرا ، أو لكان قد جعل مع الله – جل ذكره – شيئا !
تعليقي : وماذا أقول بعد الذي قيل ، وأي كلام يقال بعد ما قيل !
من قصص البخلاء الطريفة : رجل بخيل لم يعرف الناس أبخل منه !
بخل يسري في العروق
كنت عند شيخ من أهل مرو وصبي له صغير يلعب بين يديه فقلت للصبي إما عابثا أو ممتحنا : أطعمني من خبزكم ، قال : لا تريده هو مر . فقلت : فاسقني من مائكم ، قال : لا تريده فهو مالح . قلت : هات لي من كذا وكذا ، قال : لا تريده هو كذا وكذا . إلى أن عددت أصنافا كثيرة ، كل ذلك يمنعنيه أو يبغضه إلي . فضحك أبوه وقال : ما ذنبنا ؟ هذا من علّمه ما تسمع ؟ يعني أن البخل طبع فيهم وفي أعراقهم وطينتهم .
تعليقي : لو كنت مكان الراوي لقتلت الصبي ضربا وألحقت أباه به !
نقطع الضوء عن عينيك إذا لم تنفق !
يروي الجاحظ أن جماعة من أهل خراسان اجتمعوا في منزل ليلا ، فأحجموا عن إنارة المصباح وصبروا على الظلمة ما أمكنهم الصبر ، ولما اضطروا إلى الإنارة جمعوا النفقة اللازمة لذلك وأبى واحد منهم أن يشاركهم في النفقة ، فكانوا إذا جاء المصباح شدّوا عينيه بمنديل إلى أن يناموا ويطفئوا المصباح فيفرجون عن عينيه وذلك حتى لا يستفيد من نوره .
تعليقي : لا حول ولا قوة إلا بالله …ههه في الحقيقة تذكّرت أيام دراستي الجامعية حيث كنا نقتصد بشدة على النفقة في الأكل ، بحكم أننا كنا نقطن في الحي الجامعي والمصاريف آنذاك كانت بالكاد تكفينا ، لكن قطعا لم نكن كجماعة خراسان !
أكلي مع غيري زيادة في الأصل
وقال أبو نواس : كان معنا في السفينة ، ونحن نريد بغداد ، رجل من أهل خراسان ، وكان من عقلائهم وفقهائهم ، فكان يأكل وحده . فقلت له : لم تأكل وحدك ؟ قال : ليس عليّ في هذا الموضع مسألة إنما المسألة على من أكل مع الجماعة ، لأن ذلك هو التكلّف . و أكلي وحدي هو الأصل وأكلي مع غيري زيادة في الأصل .
كلام بكلام وكلام بفعال !
ﻭﻫﻨﺎ ﻗﺼﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺨﺮﺍﺳﺎﻧﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺄﻛﻞ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻊ ، ﺇﺫ ﻣﺮ ﺑﻪ ﺭﺟﻞ ﻓﺴﻠﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﺮﺩ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺛﻢ ﻗﺎﻝ : ﻫﻠﻢّ ﻋﺎﻓﺎﻙ ﺍﻟﻠﻪ . ﻓﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻧﺤﻮﻩ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﺁﻩ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﻘﺒﻼ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ : ﻣﻜﺎﻧﻚ ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﺠﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ .
ﻓﻮﻗﻒ ﺍﻟﺮﺟﻞ ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺨﺮﺳﺎﻧﻲ : ﻣﺎﺫﺍ ﺗﺮﻳﺪ ؟
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ : ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺗﻐﺬﻯ .
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ : ﻭﻟﻢ ﺫﺍﻙ ؟ ﻭﻛﻴﻒ ﻃﻤﻌﺖ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﺑﺎﺡ ﻟﻚ ﻣﺎﻟﻲ ؟
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺮﺟﻞ : ﺃﻭﻟﻴﺲ ﻗﺪ ﺩﻋﻮﺗﻨﻲ ؟
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ : ﻭﻳﺤﻚ ، ﻟﻮ ﻇﻨﻨﺖ ﺃﻧﻚ ﻫﻜﺬﺍ ﺃﺣﻤﻖ ﻣﺎ ﺭﺩﺩﺕ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﺴﻼﻡ . ﺍﻷﻣﺮ ﻫﻮ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ﺃﻧﺎ : ﻫﻠﻢ ﻓﺘﺠﻴﺐ ﺃﻧﺖ : ﻫﻨﻴﺌﺎ ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻛﻼﻡ ﺑﻜﻼﻡ . ﻓﺄﻣﺎ ﻛﻼﻡ ﺑﻔﻌﺎﻝ ﻭﻗﻮﻝ ﺑﺄﻛﻞ ﻓﻬﺬﺍ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻹﻧﺼﺎﻑ .
تعليقي : أكثر بخيل وقفت منه موقف الإعجاب لحكمته البليغة وتفننه البارع في الحرص والشح .
نكتفي بهذا القدر من نوادر وقصص البخلاء الطريفة ، والتي تحمل لؤما وحكما كثيرة ومتنوعة ، بالرغم من أن موضوعها يثير الضحك والعجب ، وستكون لنا طبعا أجزاء أخرى وطرائف جديدة عن البخل والبخلاء ، فكونوا على اطلاع دائم .