في القطب الشمالي الكندي، يتميز الصيف بضوء ساطع يكتنف أشجار التندرا غير المورقة لأكثر من 20 ساعة يومياً، بل يقترب طول النهار من 24 ساعة في أقصى الشمال، ويرى البعض تغييراً مرحباً به بعد ظلام الشتاء الدامس.
ولكن الحياة في أراضي شمس منتصف الليل، بالنسبة للأقلية المسلمة، والمتزايدة، في مدينة إكالويت بإقليم نونافوت بشمال كندا، تمثل تحدياً كبيراً أثناء شهر رمضان، حيث يصوم المسلمون عن الطعام من شروق الشمس إلى غروبها، وفقاً لتقرير صحيفة “غارديان” البريطانية.
“لم أفقد الوعي أبداً”، هكذا قال عبد الكريم البالغ من العمر 29 عاماً، وهو أحد القلائل في المدينة الذين قرروا، ورغم المشقة، ضبط مواعيد صيامهم على الشمس القطبية منذ انتقاله من العاصمة أوتاوا في 2011. ما يعني أن عليه تناول طعام السحور في تمام الساعة 1:30 بعد منتصف الليل، وأن يفطر حوالي الحادية عشر مساءً.
وأضاف عبد الكريم: “السبب الوحيد الذي قد يدفعني للتوقف، هو أن تُصاب صحتي بالضرر”. وأضاف ضاحكاً وهو يشير لبنية جسده “ولكن بالنظر إلى حالتي، لا أظن أن الصيام سيؤذيني”.
مكة هي الحل
بينما تقترب نهاية رمضان لباقي المسلمين حول العالم، كان أغلب اهتمام المجتمعات في الشهر الكريم، يدور حول العمل المجتمعي والصلاة والتأمل. ولكن في مدينة إيكواليت، بالإضافة لباقي المدن المسلمة التي تسكن القارة القطبية، كان لساعات الصيام الطويلة تأثير ملحوظ على كيفية التعامل مع الصيام.
يلتزم أغلب المسلمين في إيكواليت بالجدول الزمني الذي يتبعه المسلمون في العاصمة الكندية أوتاوا -وهي تبعد مسافة تصل إلى 2092 كم جنوب المدينة- وذلك اتباعاً لنصيحة علماء الدين الذين صرحوا بأنه على المسلمين في أقصى الشمال أن يصوموا وفق جدول مكة الزمني، أو الجدول الزمني لأقرب مدينة مسلمة.
وهو ما يعني أنهم سيصومون لـ18 ساعة يومياً؛ فحسب ما قاله عاطف جيلاني، الذي انتقل من تورونتو إلى إيكواليت قبل أقل من عام “رغم أن النهار لا يزال طويلاً، إلا أنه أكثر احتمالاً”.
يفطر أغلب أفراد مجتمع إيكواليت الصغير، الذي يصل تعداد سكانه إلى 100 نسمة تقريباً، سوياً، ويجتمعون في ساحة مسجد المدينة الجديد -والذي تم الانتهاء من بنائه في شهر شباط 2016- في درجة حرارة تصل إلى 50 درجة تحت الصفر بمصاحبة صوت الرياح في الخارج، حيث يتناولون أطعمتهم التقليدية مثل التمر ولحم الماعز والضأن بينما ينعكس ضوء الشمس على النوافذ الزجاجية.
وهو مشهد متكرر في معظم مساجد أقصى شمال كندا في رمضان، حيث تتصارع المجتمعات المسلمة مع جغرافيا المكان الفريدة من نوعها.
صائمون خارقون
أما الـ300 مسلم في منطقة يلونايف، بأقصى شمال غرب البلاد، فلديهم اختيارات مختلفة فيما يخص صيام شهر رمضان، وفقاً لما قاله ناظم عوان، رئيس مركز يلونايف الإسلامي، مع وجود استثناء للحوامل والمرضى.
وأضاف: “قد يكون هناك أناس خارقون، ممن يريدون الصيام لـ 23 ساعة، ولكن الخيار الآخر هو نية وروح الصيام التي توافق المدن القريبة، أو اتباع توقيتات مكة والمدينة”.
في السنوات الأخيرة، اختار أغلب أفراد المجتمع الصغير أن يتبعوا التوقيتات الرمضانية لمدينة إيدمنتون في ألبرتا. ولكن بعضهم، مثل عوان -وهو أب لطفلين صغيرين، أحدهما يبلغ 12 عاماً وبدأ بالصيام أخيرا- يتبعون توقيت مكة.
ويأمل عوان في تشجيع ابنه على الصيام وفقاً لتوقيت أكثر احتمالاً يصل لحوالي 15 ساعة فقط مقارنة بحوالي 18 ساعة في مدينة إيدمنتون. وقال: “لو صمت وفقاً لتوقيتات يلونايف أو إدمنتون، قد يقول لي ابني، أبي، أنت مجنون، ما الذي تفعله؟”.
24 ساعة صيام
ومع استحالة الصيام وفق مواعيد الشمس المحلية، اتبع حوالي 100 مسلم أو أكثر بمدينة إينوفيك الصغيرة، التي تبعد حوالي 201 كم شمال الدائرة القطبية، توقيت مدينة إيدمنتون. وقال أحمد الخلاف “تسطع الشمس لمدة 24 ساعة تقريباً هنا، لا يوجد شروق أو غروب”.
وقد قام باتباع توقيت مدينة إيدمنتون منذ انتقاله عام 2001 من تورنتو إلى البلدة الصغيرة التي يقطنها 3500 شخص. فقال: “أول شهر رمضان قضيته هنا وافق شهر كانون الأول. لم تشرق الشمس هنا وقتها، ساد الظلام طوال النهار والليل؛ لذلك استخدمنا توقيت إيدمنتون”.
في بعض الأحيان، يمكن أن يكون هناك تحدٍّ نفسي عند اتباع توقيت الساعة بغض النظر عما يحدث من حولك بالخارج. وقال الخلاّف: “يُفترض أن تفطر عند مغيب الشمس. من غير المعتاد أن نتناول وجبة الإفطار والشمس مشرقة بالخارج”.
الإفطار على الرنة
في مدينة إنوفيك، حيث أغلب القاطنين من الإسكيمو، قرر المسلمون أن يوازنوا بين شهر رمضان وبين تقاليد وعادات المجتمع هناك. فوجبة الإفطار تحتوي على التمر وأطباق الكاري الشهية، بجانب الوجبة الشعبية هناك من حيوان الرنة، مجهز بالطبع وفقاً للشريعة الإسلامية.
“نقوم بعمل الحساء والكاري لصنع البرياني، ولكن بدلاً من استخدام اللحم البقري، نضع لحم حيوان الرنة”.
أما في مدينة إيكالويت، وفي الوقت الذي يتجهز فيه المسلمون لانتهاء رمضان، يرى البعض أن توقيت هذا العام 2016، والذي يعد من أطول أيام السنة، قد جعل هذا العام أحد أصعب الأعوام التي مرت عليهم على الإطلاق.
وهذا حقيقي بالفعل، بالأخص لأمثال كريم، الذي قرر أن يتبع الغروب والشروق المحليين. ولكنه سيجني ثمرة جهوده بعد بضع سنوات من الآن بفضل التقويم الهجري أو القمري. سيأتي رمضان في النهاية عند الشتاء، حيث تستطيع رؤية الشمس في إيكواليت تشرق وتغرب في غضون ساعات قليلة، ووضح ضاحكاً أنه بالتأكيد سيتبع هذه الساعات أيضاً.