لقد حثَّ الإسلام على تعلُّم العلم النافع، فكان أول ما نزل من القرآن دعوة صريحة إلى القراءة والتعلُّم؛ قال تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 – 5].
وقد استُهلت سورة العلق بكلمة “اقرأ”؛ للدَّلالة على أن الأُمَّة الإسلامية أمَّة القراءة والعلم، فهي أمَّة قارئة وعالمة، وقد اقتُرنت كلمة اقرأ “باسم ربك” للدَّلالة أيضًا على شرف العلم وفضله، إنه العلم المنتسب إلى الله، والموصل إلى المعرفة بالله والإيمان اليقينيِّ به؛ وتلك أعظم قيمة للعلم وأفضل ثمرة يَقطِفها القارئ من تعلُّمه، وقد تفضَّل الله على الإنسان بتعليمه لِما كان يجهله وامتنَّ عليه بأن أرشده إلى مسلك الحقِّ والهداية.
فضل تعلُّم العلم:
لقد خصَّ الله المتعلمين بمزايا عظيمة؛ لأنهم يسلكون بذلك مسالك الرشاد والهداية، ونوَّه بشأنهم، وجعل تعلُّم العلم عبادة، ورفع مِن قدر العلماء، وبوَّأهم مرتبةً سامقةً تليق بمكانتهم العظيمة، وبالمسؤولية التي أُنيطت بهم في توريثهم للعلم عن الأنبياء، وهذا التوريث يوجب تبليغ ما ورِثوه، وإرشاد الناس إلى الخير والسير بهم على منهج الصلاح والإصلاح.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع، وإن العالم ليَستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخَذ بحظ وافرٍ))؛ “أخرجه الترمذي”.
معنى العلم:
العلم: هو إدراك الشيء على حقيقته وكُنهه.
إن الوقوف على التعريف الدقيق للعلم والتأمُّل في كنهه، يشعر بأن الوصول إلى حقيقته يتطلَّب جهدًا كبيرًا مستصحبًا بمشقَّةٍ لإدراك كُنهه ودقائقه؛ لذا يمكن القول: إن تعلُّم العلم يقتضي حرصًا كبيرًا ورغبةً ملحَّة ومثابرةً متواصلةً، مع استخدام التفكُّر والتدبُّر، وهذا ما أكَّده القرآن في آياتٍ عديدة؛ حيث دعا إلى استخدام العقل في التدبُّر والتأمُّل وتعلُّم العلم؛ لأنه هو السراج المنير الذي يُبصر الإنسان ويُنير طريقَه، ويرشده إلى المعرفة اليقينيَّة بالله والخشية منه سبحانه وتعالى.
مكانة العلم والعلماء في الإسلام:
إن العلم هو الطريق الموصلة إلى الله والمعرِّفة به، فهو سبيلٌ إلى الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وهو سرُّ سعادة الإنسان ونهضة الأمم وتقدُّم الشعوب؛ فبالعلم يعرف الإنسان حقوقَه وواجباتِه، ويَفهم ما في الكون من حقائقَ وظواهرَ وأسرارٍ، وقد أثنى الله عز وجل على العلماء الذين اتصفوابصفة الخشية منه سبحانه؛ قال تعالى منوِّهًا بشأن العلماء الربَّانيين: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
وفي العلم يتنافس المتنافسون، فما أعظم التنافس في العلم! وما أجمله! وقد بوَّأ سبحانه العلماء مكانةً خاصَّةً بهم؛ فهم ورثة الأنبياء في العلم والتبليغ؛ حيث رفع من شأنهم وأعلاهم مكانةً وقدْرًا؛ قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
كما نفى سبحانه وتعالى نفيًا قاطعًا المساواةَ بين العالم والجاهل، فقال: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
بعض فوائد تعلُّم العلم النافع:
• التعرُّف على الخالق عز وجل من خلال كتابه المقروء (الوحي)، وكتابه المشاهد المصنوع (الكون).
• عبادة الله عز وجل؛ لأن الله لا يُعبَد عن جهل.
• المعرفة السليمة بأحكام الشريعة الربَّانية.
• التخلُّق بالأخلاق الحسنة.
• صيانة كرامة الإنسان، وتسخير الكون لخدمته.
• بناء مجتمع متحضِّر ومتماسك.
• رقيُّ المجتمعات وتقدُّمها وازدهارها.
• معرفة الإنسان بحقوقه وواجباته.