“خدمة المجتمع” أو “community service” مفهوم عالمي يهدف إلى ربط المدرسة بالمجتمع وإعطاء بعد عمليّ للمفاهيم النظريّة في المناهج التربويّة لا سيما منهج التربية الوطنية، وتحفيز الطلاب على اكتساب مهارات الحس الاجتماعي والعمل التعاوني والتضامني وتعزيز التصاقهم بقضايا الناس والشأن العام.
في لبنان، يتسلل إلى المشروع مفهوم إضافي هو بناء المواطنة الفاعلة والحاضنة للتنوع الديني وهو المفهوم الذي تتبناه مؤسسة أديان (منظمة غير حكومية تشارك في صياغة مناهج التربية والفلسفة) في كل المشاريع التي تموّلها لمصلحة وزارة التربية. ويجري التركيز على هذا المفهوم في دليل خدمة المجتمع الذي أنجزته المؤسسة في أيلول 2016 بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء ووزارة التربية. وعلى موقعه الإلكتروني، يقارب المركز التربوي “خدمة المجتمع” في سياق المواطنة الفاعلة والحاضنة للتنوّع، فيقول إنها “تعدّ ركناً أساسيّاً للمواطنة التشاركيّة، جوهرها اضطلاع المواطن بالمسؤوليّة عبر المشاركة الفاعلة في إدارة الشأن العامّ، وتشكل حافزاً للتفاعل بين أبناء المجتمع الواحد، وفرصة للتمرّس بقيم العيش معاً، وتكتسب أهمّيّة خاصّة في المجتمعات المتعدّدة، إذ تُنفّذ في أطر عابرة للجماعات الثقافيّة“.
60 ساعة خدمة اجتماعية
عملياً، بدأ تطبيق مشروع خدمة المجتمع في مرحلة التعليم الثانوي في المدارس الرسمية والخاصة في العام الدراسي الماضي 2016 ـــــ 2017، رغم أنّ مجلس الوزراء أقر بطلب من وزير التربية الأسبق حسان دياب المرسوم الرقم 8924/2012 الذي يفرض على كل طالب (إلزامية المشروع)، إضافة الى برنامجه الدراسي، أن ينفذ /60/ ساعة خدمة فعلية، على مدى ثلاث سنوات في المرحلة الثانوية مع إمكانية اختصارها بـ سنتين دراسيتين على أن لا يتجاوز عدد الساعات الفعلية الـ /40/ ساعة في السنة الواحدة، لكن، بقي العمل مقتصراً في حينه على بعض المدارس والثانويات لاعتبارات أمنية وتربوية – عملية، بحسب ما تقول لـ “الأخبار” رئيسة المركز التربوي ندى عويجان.
أعيدت دراسة المشروع عام 2015 تمهيداً لحسن تطبيق القرار 607/م/2016 الذي صدر عن الوزير السابق الياس بو صعب. وقد ُحدَّدت ساعات خدمة المجتمع في المرحلة الثانوية بـ /60/ ساعة خدمة على مدى سنوات المرحلة الثانوية الثلاث، على أن تخصّص 45 ساعة منها للخدمة الفعلية و/15/ ساعة للتخطيط المسبق والتحضير والمناقشة والتقويم، مع إمكانية تنفيذ كامل هذه الساعات خلال السنتين الثانويتين الأولى والثانية.
وتمّ الإعلان عن دورات تدريبية حول آليات تطبيق المشروع. وفي هذا الإطار، نُظّمت, بحسب عويجان, دورات لتدريب المدربين من القطاعين الرسمي والخاص، ودعيت بعدها جميع الثانويات الرسمية والخاصة لحضور التدريب والمشاركة في أعماله.
لم يفرض القرار 607/م/2016 الإلزامية على الثانويات، باعتبار أن خدمة المجتمع عمل تطوعي, إنما لحظ في المادة 15: “يمنح كل متعلم أتمّ ساعات خدمة المجتمع، في التعليم الرسمي أو الخاص، بناء على لوائح الترشيح لامتحانات الثانوية العامة المقدمة من المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة، إفادة “المواطن الفاعل في خدمة المجتمع” موقعة من المدير العام للتربية أو من يكلفه بالأمر وفق الأصول القانونية”. كما يحق للمتعلم الراسب في أي سنة من سنوات المرحلة الثانوية أن يحتفظ بعدد الساعات المنفذة في خدمة المجتمع للحصول على الشهادة الرسمية.
التقييم موضوعي؟
هذا العام، تسلمت وحدة خدمة المجتمع في وزارة التربية 1115 مشروعاً معظمها من المدارس الخاصة تناولت المجالات الآتية: المجال البيئي، المجال الاجتماعي – الاقتصادي، المجال الصحي، المجال الفني، المجال التربوي-الثقافي، المجال الرياضي، المجال التراثي – السياحي، والمجال المدني- الحقوقي، وإن تركز معظم المشاريع على المجالين البيئي والصحي. وبحسب تقييم الوحدة، تم اختيار 9 مشاريع نموذجية لتقدم لها جوائز تقديريّة خلال مهرجان نظمته مؤسسة أديان ووزارة التربية والمركز التربوي في أيار الماضي.
عدم حصر المشروع في إطار ترويجي فولكلوري مرتبط بالمهرجان والجوائز
بحسب مصادر متابعة للتدريب والتقييم، فإن “خدمة المجتمع” تحتاج إلى جهاز متخصص في وزارة التربية وليست لجنة تجتمع مرة أو مرتين ولدى أعضائها مهمات أخرى. لم يحصل، كما تقول المصادر، متابعة لخطوات ومراحل تنفيذ المشروع، بهدف التأكد من أن العمل يسير وفقاً للخطة الموضوعة، إضافةً إلى مراقبة مدى التطور الذي وصل إليه العمل بالمشروع ومعالجة أي قصور في عملية التنفيذ.
برأي المصادر، الدليل مهم لكن يجب وضع معايير دقيقة لمشروع خدمة المجتمع، فهل مثلاً يمكن اعتبار “دهن” جدران المدرسة أو جمع النفايات في الملعب أو خدمة شخصيات مثل مدير المدرسة خدمة مجتمع؟ وتشير المصادر إلى أنّ الاستمارات التي وزعت لم تكن واضحة ومدروسة وتحتاج إلى إعادة نظر. ولا تخفي التململ الذي أصاب البعض نتيجة ضعف التمويل من جهة وفوز مشاريع هي حبر على ورق وغير قابلة للتطبيق من جهة ثانية. المصادر كانت تتمنى لو أن المشروع نشاط تطبيقي للمفاهيم الموجودة في مادة التربية المدنية مثل التطوع والخدمة المدنية، وأن لا يبقى في إطار ترويجي فولكلوري مرتبط بالمهرجان والجوائز.
نقص الاهتمام بالشأن العام
مثل هذه البرامج لا تضر لكنها لا تغيّر في العمل وسلوك الناس في ما لو بقي المشروع في إطاره الشكلي الاحتفالي، بحسب الباحث التربوي والاجتماعي انطوان مسرة. الحذر هو تحويل المشروع إلى مسألة تلقينية، تماماً كما تحول كتاب التربية المدنية إلى “درس على الغايب”، إذ يسأل التلميذ عن مفاهيم حفظها لا عما فعله في الحي لتحسينه مثلاً. يؤكد أنّ التحسين يبدأ من تدريب المعلمين على المصلحة العامة “فتجربتنا في المؤسسة اللبنانية للسلم الأهلي الدائم تشير إلى نقص الاهتمام بالشأن العام وتنامي الأنانية، فالأهالي القاطنون في مبنى من 7 طبقات عاجزون عن وضع نظام للمبنى. وتعذبنا كثيراً لنقول للبعض الذين شاركوا في مشروع لتنظيم الشرفات بأن الشرفة هي مكان عام وتزيينها مشاركة في الشأن العام“.
المعلم ميسر لا قائد للصف
نايلة حمادة، رئيسة الهيئة اللبنانية للتاريخ تتحدث عن أهمية البرنامج في تعزيز المواطنية، لكن «تجربتنا تقول إنّ الأمر كان يتطلب متابعة أكثر طوال مراحل تنفيذ المشاريع مع ضرورة التركيز على تدريب مكثف للمعلمين ليطلعوا بدور الميسر للعملية ويكونوا قادرين على متابعة أبحاث الطلاب لا أن يتمسكوا بدورهم كقادة للصف وأن يقدموا أنفسهم على أنهم المصدر الوحيد للمعلومات». برأي حمادة، بناء روح المسؤولية وتنمية الحس الاجتماعي يجب ألا يقتصر على المرحلة الثانوية فحسب بل أن يبدأ أيضاً من الحلقة الثالثة من التعليم الأساسي (المرحلة المتوسطة). من الصعوبات التي تواجه المشروع، بحسب حمادة، رفض بعض المديرين السماح للطلاب والمعلمين الخروج من المدرسة خلال ساعات الدوام. وأشارت إلى أنّه لم يكن هناك تنويع في المشاريع التي اقتصرت على المياه والبيئة والنفايات على أهمية هذه الموضوعات. تقول حمادة إن فرض الإلزامية يحتاج إلى وقت، وهناك مدارس كثيرة غير جاهزة من حيث البنى التحتية وتدريب المعلمين.
خدمة المجتمع والانصهار الوطني
أستاذ المواطنية في الجامعة اللبنانية علي خليفة يتناول بعداً آخر من المسألة، فيبدي حذره من تنفيذ المشاريع ضمن مدارس منعزلة وبيئات متباعدة عن بعضها، الأمر الذي يحرف الخدمة الاجتماعية عن مسارها بين أن تكون خدمة للمجتمع بشكل عام أو خدمة للمجتمع المحلي ذات الصبغة واللون الواحد.
ورغم نماذج التعاون بين مدارس من مناطق مختلفة في المشروع لا سيما على موضوعات بيئية، يبقى الهم، بحسب خليفة، نجاح خدمة المجتمع في تخطي الحواجز والحدود الطائفية.
وبينما يربط خليفة المشروع بالتماسك والاندماج الاجتماعي والانصهار الوطني، تميل حمادة للقول إن “خدمة المجتمع قد تعني ببساطة أن تقدم خدمة ما لمجتمع معين، قد يكون مجتمعنا الخاص أو مجتمعاً آخر، ويتم تحديد هذه المسألة تلبية لحاجة معينة يحددها عادة أولئك الذين سيقومون بتنفيذها، وليس لها علاقة بالضرورة بالانصهار الوطني“.