بقلم : م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
قبل أيام عادت بي الذاكرة عشرة أعوام إلى الوراء، عندما سمعت يومها بقصة رجل نذر حياته لعمل الخير وكان في طريق عودته للمنزل مع أموال الزكاة التي جمعها لتهاجمه مجموعة من شياطين الإنس في وسط العاصمة الأردنية وتعتدي عليه وتسرق ما معه، ولم يتوقف الأمر هنا فقد فارق الرجل الحياة بعدها بأيام متأثراً بجراحه رحمه الله، يومها لم يتمالك القلم نفسه فخط مقالاً حمل عنوان: شياطين في شوارع عمان !
واليوم يعتصر القلب والقلم ألماً وحزناً مرة جديدة، ولا يستطيع إلا التحرك للكتابة عن شياطين آخرين ولكن في شوارع الزرقاء هذه المرة، زرقاء الطيبة والعزة والكبرياء، زرقاء الشهامة والعنفوان والقلوب الرحيمة، تخرج بها شياطين لم تعرف شيئاً من عادات وتقاليد مجتمعنا التي نفاخر بها الدنيا، لتختار أحط درجات الدناءة والخسة بالإعتداء على البشر وزرع الرعب في قلوبهم، ليكون ضحيتهم هذه المرة شاب لم يتجاوز سن المراهقة هو ما خرجت به والدته من هذه الدنيا، ولماذا ؟ لأنهم لم يستطيعوا الإنتقام من والده فقرروا بكل بساطة التنكيل به وتقطيع يديه وفقأ عينيه لا لشئ إلا أنه إبن من قتل أباهم دفاعاً عن نفسه بحسب ما نشر في وسائل الإعلام المختلفة !
وشتان شتان بين أمثال هؤلاء وبين الأردنيين الأحرار الشرفاء الذين يقدمون أرواحهم فداء لوطنهم وأهلهم وتشريف إسمه وسمعته في داخل ربوعه وفي كل مكان يتواجدون فيه من هذا العالم، وربما يقودني هذا لموقف أتذكره جيداً في العام 2015 عندما إجتمعنا مع دولة رئيس الوزارء الدكتور عبدالله النسور وقتها على هامش مؤتمر المغتربين لنقل هموم المغتربين، فقلت له يومها: علبة العصير يا دولة الرئيس ! علبة العصير التي يقدمها رجال الأمن للمتظاهرين أصبحت مضرباً للمثل في كافة الدول العربية ومحط إعجاب من الأشقاء العرب بل وحتى من غير العرب.
واليوم أتوجه إلى دولة الرئيس بشر الخصاونة وهو الذي إستلم مهامه منذ أيام قليلة فقط، والذي وصف نفسه بكل دماثة بأنه إبن الحراثين وإبن البلد الذي يعرفها جيداً لنقول له: الصورة يا دولة الرئيس !
نعم الصورة دولتك، نرجوك أن لا تسمح لأمثال هؤلاء العابثين ولا لغيرهم العبث بالصورة الجميلة الراقية الأنيقة المرسومة لبلادنا في داخل قلوبنا وربوع شوارعنا، وترافقنا أينما ذهبنا في بلاد الغربة، نريد أن يبقى الأردن هو الأردن الذي نعرف، أردن الجلال والجمال والسناء والبهاء، الوطن الذي يبلغ السماك في علاه، وفي رباه مزروعة عناوين الحياة والنجاة والهناء والرجاء.
أصبح حديث الشارع اليوم عن “صالح”، صالح فقط وكيف سيكون عقاب من قاموا بالإعتداء عليه، ذلك لأن أي واحد منا وأنت منا وفينا يا دولة الرئيس لا يمكن أن يهدأ له بال ولا لحظة واحدة وهو يشعر مجرد شعور بالخوف على فلذات كبده، ولا يفارقه التفكير في أولاده والحفاظ عليهم حتى من نسمة الهواء، فكيف وهو يرى أمثال هؤلاء يزرعون الرعب في قلوب المواطنين بأفعالهم الدنيئة، ثم ما الفرق بين إرهاب هؤلاء وإرهاب من يخرج ليفجر نفسه بين المواطنين ليقتل ويدمر ويزرع الرعب في النفوس ؟
اليوم يقف الشعب الأردني بكافة أطيافه مطالباً بإيقاع أقصى العقوبات بحق هؤلاء الشياطين، وهو التحدي الأول للحكومة الجديدة في مواجهة منظومة الفساد في البلاد، ونحن هنا لا نطالب بمحاسبة هؤلاء فقط، بل وكل من يدعمهم ويشد من أزرهم ويقدم العون لهم مهما كان منصبه ومكانته، فالإكتفاء بقطع الغصن الفاسد من الشجرة الفاسدة لن يكون له نتيجة إلا أن تعود الشجرة لإخراج عشرات الأغصان الفاسدة بدلاً منه.
لكل مسمى من إسمه نصيب، بالفعل رأينا ذلك بأعيننا ونحن نسمع ذلك الشاب صالح وهو يتحدث عن والده، ويحمد الله على مصيبته وهو بالكاد يستطيع إخراج كلماته، فلا حول ولا قوة إلا بالله أمام كل من ماتت بقلبه عناوين الرحمة، وملأ الله قلب صالح ووالدته ووالده بالصبر والإيمان والقوة وأعانهم على مصابهم وعوضهم خيراً في دنياهم وآخرتهم.
وتبقى قناعتنا أن كل إنسان يخلق وبداخله صراع الخير والشر، ويبقى الصراع بينهما كصراع أسدين يقوم هو بتسمين أحدهما على حساب الآخر ليأكله وينتصر عليه بداخله فيصبح عنواناً للخير وحده أو للشر وحده، أو يترك نفسه رهينة لذلك الصراع ما عاش في حياته، ولذلك كان من الضروري عدم ترك الدعاء بأن يكفينا الله شر نفسنا الأمارة بالسوء، وشر الشيطان وكل أعوانه من شياطين الإنس والجن، وشر كل الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن وما علمنا منها ومالم نعلم.
يا صاحب الولاية إنتصر لمظلوم أخذ بالغدر حتى ملأ قلوبنا بالأحزان ما تنوء بحمله الجبال الشواهق.
من وقع ضحية من يعبث بلوحة وطن لطالما سطر أهله أجمل عناوين في كتب التاريخ وما فيها من وثائق.
ويا صالح إنهض فمثلك معجون بتراب وطن لم يعرف أهله يوماً للاستسلام معنى ولا حتى مع أصعب العوائق.
فرب كلمة يا صاحبي أودت بصاحبها المهالك فما بالك بمن ماتت الكلمات عن وصف ما حملوا من صنوف البوائق.