– تاريخ وتطور العمامة والطربوش من الخلافة العثمانية وحتى العمة الصعيدية
أكدت الدكتورة أهداب حسني المدرس بكلية الآثار الإسلامي، في كتاب صدر لها مؤخرا بعنوان ” العمامة العثمانية في تركيا ومصر” تاريخ وتطور العمامة والقاوون والطربوش، أن العمامة تعد ميراثا عربيا أصيلا اتخذه العرب منذ العصر الجاهلي، وشبهوها بالتيجان على رؤوس الرجال؛ لذا سميت تيجان العرب.
وكانت العمامة إذا أهينت لحق الذل بصاحبها، وإذا هضم الرجل وأهين ألقى بعمامته على الأرض وطالب بإنصافه لما فيها من معاني التبجيل والاحترام لها، كما كثر استخدامهم للعمامة وتنوعت أساليبهم في استعمالها وتعددت أسماؤها عندهم، لكن في النهاية يظل الاسم الشائع في مختلف العصور العمامة أو العمة.
وقد كانت العمامة لباسا لخاصة العرب؛ أصحاب الجاه والنفوذ من حضر وبادية؛ تمييزاً لهم عن بقية الناس ولها عندهم مكانة كبيرة؛ فهي ترمز إلى الرفعة والشرف، وهى أحسن ملبوس يضعونه على رؤوسهم.
وكانت العمة في أول الإسلام ، وظلت في العصر الإسلامي زينة للرجل وجمالا لمظهره، ودليلاً على هيبته ووقاره، ورغب فيها الإسلام لما فيها من هذه المعاني التي هي من لوازم الرجولة إضافة إلى نفعها في حفظ حواس الرأس؛ من سمع وبصر وعقل.
ولبس العمامة فى حق الرجل أفضل من كشف الرأس واعتمار الطاقية ونحوها أفضل من الكشف؛ لذا استعملها الرجال بجميع طبقاتهم لكن لكل طبقة شكل ونوعية معينة، فالخليفة كان يتخذ عمة بهيئة معينة تختلف عن تلك التي تخصص للفقهاء والقضاة والعسكريين وغيرهم من طبقات المجتمع.
ولقد داوم المصطفى (ص) على لبس العمامة، حتى عرف بصاحب العمامة لكثرة لبسه لها، وحرصه عليها؛ إذ كانت العمامة من صفات العرب وخاصة أشرافهم، ورؤسائهم وكذلك كان الخلفاء الراشدون، وخلفاء بنى أمية وبنى العباس، وكانت عمامته (ص) تسمى السحاب فهى بيضاء اللون،.
العمامة تعد عادة من عادات العرب، وشعاراً لهم ورمزاً لعروبتهم، فإذا وضعوها وضع الله عزهم، وقيل: اختصت العرب بالعمائم وبالدروع وبالشعر وبقيت العمامة موضع عناية واهتمام وإجلال المسلمين حتى العصر العثماني الذي قبل فيه العثمانيون كل أنواع العمائم اللف لكونها تقليدا إسلاميا من تقاليد سيدنا محمد “صلى الله عليه وسلم” لذا صار كل الأتراك الذين لهم نفس العقيدة على نفس التقليد، فهي رمز للقوة والمكانة العالية لصاحبها.
ومن الجدير بالذكر أنه في حالة أن يقوم شريف من نسل الرسول بذنب، فإن عقوبته هي خلع عمامته الخضراء من على رأسه، وتقبيلها وإعادتها إلى صاحبها هذا التقليد أصبح متبعا لسنوات عديدة في الإمبراطورية العثمانية، وكان عندهم رمزاً للاحترام أيضاً، فما زال يرى حتى الآن العلماء المسلمين والباحثين وأتباع الطوائف الدينية يعتمرون ويخلعون عماماتهم الملفوفة وحريصون على تقبيل جزء منها؛ لذا تعتبر مقدسة طبقاً للديانة الإسلامية.
وقد كان الأتراك العثمانيون لديهم مبدأ خاص بالعمائم اللف “كلما كبر منصبك كبر غطاء رأسك” لذا اصبح هناك علاقة وثيقة بين حجم العمائم الملفوفة ومكانة الأشخاص المهمون ذوى المناصب العليا.
أما ” الطربوش ” وردت لفظة الطربوش بكثرة داخل القواميس العربية: للإشارة إلي غطاء للرأس يصنع من نسيج صفيق من صوف أو نحوه، وقد تلف عليه العمامة، يلبسه الرجال اسطواني الشكل يصنع من الصوف أو نحوه، ويكون عادة أحمر اللون له شرابه سوداء حريرية.
أما ” الطربوش المبطن” وقد اختلط مسمى الطربوش بمسمى السربوش عند أهل اللغة فبعضهم ذكر أن الطربوش بفتح فسكون فضم هي: كلمة فارسية معربة وأصلها فى الفارسية سربوش مركبة من سر أي رأس ومن بوش أي غطاء والمعنى الكلى غطاء الرأس، وبالتالى قد جانبهما الصواب؛ لإنهما مختلفان فى الشكل فالسربوش أو الشربوش، هو على شكل مثلث عند القمة، أما الطربوش، فهو ذو شكل اسطوانى منتظم مبطن بالقش، وله ذؤابة أو شرابة.
ومن هنا اختلف المؤرخون فى أصل نشأته…فهناك من يقول إن منبته وجذوره بلاد المغرب العربى، ومن ثم انتقل إلى الإمبراطورية العثمانية فى القرن التاسع عشر الميلادى، وبينما يرى آخرون أن الطربوش اصله نمساوى، ونجد مجموعة اخري تؤكد أنه يعود إلى العثمانيين أنفسهم كونهم أول من استخدمه.
وهناك من المؤرخين أيضاً من يرى أنه موروث جاء من تركيا وبلاد البلقان أو أنه يونانى الأصل أتى به الأتراك ، أما لفظة طرابيشى فهو اسم منسوب إلى طرابيش بائع الطرابيش، ولقد اقترن الطربوش كغطاء لرأس الرجل بالوقار، وانتشر اعتماره كعلامة للتميز وعلو المكانة الاجتماعية فى العصر العثمانى، وأصبح الزى الرسمى لهم كما أصبح رمزا للوجاهة والأناقة والتمدن والتحديث، باعتباره رمزاً لمواجهة قبعة الأوروبيين.
وكان اعتماره ملزما لكل الموظفين وكبار رجال الدولة والباشاوات وحتى الطلاب فى المدارس، وقد كان العامل الأساسى فى انتشاره وشيوعه هو الفرمان الذى أصدره السلطان محمود الثانى، والذى اهتم بلباس رجال دولته ورعيته، وأوجب لبسه كلباس للرأس معترف به رسمياً، بل كان أول من اعتمر الطربوش من سلاطين الدولة العثمانين، وكانت الطرابيش فى بادىء الأمر فى عهد هذا السلطان تجلب من البلاد الأجنبية وبدأ أولا بنشره حتى عم واستعاضت به عن جميع ما تقدم من أغطية الرأس .
وفى مدينة فوّة عام 1824م، بمحافظة كفر الشيخ بشمال دلتا مصر، كان إنتاجه مخصصاً لأفراد الجيش المصرى فى ذلك العهد، وكانت خاماته تستورد من النمسا وبريطانيا خصوصاً الصوف، وكان محمد على باشا يرسل اعوانه – وخاصة إلى تونس – ؛ لإحضار الخبراء المشهورين من الخارج وكان يحضرهم بآلاتهم ومعداتهم، فضلاً عن احضاره للمرأة وزوجها وأولادها حينما يعلم بأنها تقوم بغزل خيوط الطرابيش؛ لذا كان يحثهم دائماً على تعليم واتقان هذه الصناعة، وبالأخص على أيدى الذين استقدمهم من بلاد تونس وفاس بالمغرب الأقصى؛ لإدراكه بأهمية هذه الصناعة بالنسبة لجيشه، وكان يصنع فى فوه نوعاً من أنواع الطرابيش لأسواق القاهرة، ويصنعها التونسيين وكان قبل ذلك تصدر لأسواق القسطنطينية وهو مرتفع وسميك عن الذى يتم اعتماره بمصر.
وعمل محمد على باشا أيضاً على توفير المواد الخام سواء الخاصة بالمصنع أم لعمل الإنشاءات بها وإصدار الأوامر دائماً باحضار العمال اللازمين من الرجال والنساء والبنات للعمل فى هذه الفابريقة ويتابع إلحاقهم بالعمل هناك.
وكان يعمل بالمصنع 2000 عامل؛ لذا تقدمت هذه الصناعة لدرجة أنه كان يستخدمها ويتفاخر دائماً بإنتاجها ويهدى منها إلى أصدقائه؛ لذا اكتسب فالطربوش فى هذا المناخ كان له دلالة خاصة ” قومية ” باعتباره رمزاً فى مواجهة قبعة الأوربيين الغزاة. وأصبح الطربوش فجأة تياراً سياسياً له هيبة فى الشارع المصرى، وقد استمرت صناعته حتى عصر إسماعيل باشا الذى انشأ مصنعا للطرابيش الوطنى فى قها ثم استحضر من اسطنبول فى عام 1908م صناعاً خبيرين بصناعة الطرابيش حتى غدت منتجات هذا المصنع تضاهى الطرابيش النمساوية.
وكان المصنع يستورد الصوف من النمسا وكذلك يستورد الأصباغ من ألمانيا والمواد الكيماوية من فرنسا وانجلترا، وقد كانت أزهى العصور التى عاشها طربوش مصر كان فى عهد الملك فؤاد، الذى احتفظ به كشعار قومى حيث قدم أرضاً لإنشاء مصنع قومى للطرابيش يسمى مصنع القرش عام 1936م. والذى يقع بميدان الحلبى بالدراسة، وجاء من بعده الملك فاروق، الذى وصل به الأمر فى عهد الملك فاروق بإلزام الموظف الحكومى باعتماره أثناء عمله، وإذا تم ضبطه دون اعتماره يصدر قراراً بفصله فوراً.
ولم يقف الإلزام الحكومى على مجرد وضع الطربوش فقد صدر قرار آخر بفرض اعتمارة على الزى التعليمى لأطفال المدارس حتى وصل الأمر إلى أن أطلق على عصر فاروق بعصر الأناقة.