يُؤوي قصر «الباب الذهبي» (باليه دو لا بورت دوريه)، المسمى كذلك لوجوده في ميدان بشرق باريس يحمل اسم «الباب الذهبي» منذ ثلاثينات القرن الماضي، والمصنف ضمن المباني الفرنسية الأثرية، المتحف الوطني لتاريخ الهجرة، وهو متخصص في إقامة المعارض التي تروي سيرة الهجرة عموماً ما بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين.
ويسلط المتحف الضوء على المهاجرين الذين استقبلتهم فرنسا خلال الفترة المعنية بكل ما يعنيه الأمر من إيجابيات وسلبيات، وربما الأخيرة في شكل أساسي لا سيما في ما يتصل بالطبقة الفقيرة التي تأتي إلى بلد جديد للعثور على نمط معيشي مختلف أكثر كرامة وسعادة وثقافة لجيل الأبناء.
ويقدم المتحف حتى نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل معرضاً بعنوان «تشاو إيطاليا» (Ciao Italia) قد يفاجئ الجمهور الفرنسي التقليدي العريض الذي يحمل في ذهنه صورة عن أن المهاجر في فرنسا هو عربي تنتمي جذوره إلى دول المغرب العربي ولا أحد سواه إلا في حالات نادرة.
ويكتشف زائر «تشاو إيطاليا» أن الإيطالي ما بين ١٨٦٠ و١٩٦٠ عانى من العنصرية الفرنسية بالدرجة التي يعانيها العربي في الوقت الحالي أو على الأقل إلى فترة قريبة جداً، وأنه كان يتلقى سيلاً من «الألقاب» المهينة لكيانه ولكرامته ولأولاده، وكيف كان يقبل ممارسة الأعمال التي لم يرغب فيها الفرد الفرنسي كونها لا تلائم مستواه، علماً أنها كانت تعود على صاحبها بأجر زهيد لقاء جهود مضنية ومضرة بصحته.
ويضم معرض «تشاو إيطاليا» مئات من صور الأرشيف والأشياء وقطع الأثاث واللوحات والمنحوتات والأفلام الوثائقية والروائية الطويلة والقصيرة التي يتعرف من خلالها المشاهد الى الظروف التي كانت تدفع بالإيطالي إلى مغادرة بلاده واختيار فرنسا كعالم جديد لنفسه ولعائلته، مجازفاً في غالبية الحالات بالكثير.
وفيما ساهم العمال من الإيطاليين في تشييد المباني خصوصاً في باريس، وبناء الطرق وإصلاحها، واحتراف النجارة والسباكة، راحت فئة أخرى من المهاجرين تدخل ميدان الفنون والثقافة لاعبة دورها بصعوبة ولكن بإصرار كبير على تسلق سلم الشهرة وفارضة أسلوبها الإيطالي عبر أفلام وأغنيات وكتب وأعمال تشكيلية. هكذا يكتشف زائر «تشاو إيطاليا» أن نجوم السينما والغناء إيف مونتان وسيرج ريجياني ولينو فنتورا ورائد صناعة سيارات السباق إيتوري بوغاتي وأقطاب الصناعة الأخوة الثلاثة بونتيتشيللي كانوا بالرغم من ممارستهم نشاطاتهم في فرنسا، ذوي أصول إيطالية وهاجروا في فترة ما إلى فرنسا حيث فرضوا وجودهم.
هكذا يتبين أن الهجرة الإيطالية إلى فرنسا في أيام عزها تشكلت من حكايات ناجحة خيالية مثيرة، وأخرى فاشلة بنيت فوق عذاب من عاشوها، قبل أن تتحسن أحوال هؤلاء مع الوقت ويضمنوا العيش الكريم في موطنهم الجديد.
ومن الفنانين الإيطاليين المشاركين في المعرض جوفاني بولديني وجينو سيفريني وماريو توزي وألبرتو مارتيني وريناتو باريتشي.