شهدت السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا في الاستثمارات الحافظة (Portfolio Investments) في المملكة، على الرغم من دخول قانون تشجيع الاستثمار حيز التنفيذ في منتصف عام 2022م، والذي يهدف إلى جذب رؤوس الأموال، وتحفيز بيئة الأعمال، وتعزيز ثقة المستهلكين. يثير هذا التراجع تساؤلات حول فاعلية التشريعات والسياسات الاقتصادية في تحقيق أهدافها، ويستدعي مراجعة شاملة للتحديات التي تواجه المستثمرين، واستكشاف الفرص التي يمكن البناء عليها لإعادة الثقة وجذب مزيد من التدفقات الاستثمارية، في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية المعقدة.
تكمن أهمية الاستثمارات الحافظة في تعزيز السيولة في الأسواق المالية، وزيادة متانتها، كما تؤثر على الاستقرار المالي لعلاقتها المباشرة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI)، حيث تشمل الاستثمارات الحافظة الأدوات المالية قصيرة ومتوسطة الأجل مثل: الأسهم، والسندات، وأدوات الدين التي يتداولها المستثمرون بهدف تحقيق عوائد رأسمالية أو دخل دوري. وتعد هذه الاستثمارات عنصرا أساسيا في تنشيط أسواق رأس المال، وزيادة عمقها وسيولتها، فضلا عن كونها مؤشرا على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في الاقتصاد الوطني.
ووفقا لبيانات البنك المركزي الأردني، تراجعت الاستثمارات الحافظة في المملكة خلال الفترة ما بين 2020 و2023 بشكل ملحوظ، لتسجل انخفاضا في صافي تدفقات المحافظ المالية، رغم تسجيل بعض التحسن الطفيف في عام 2024 مع بدء تعافي الأسواق الإقليمية. وعلى الرغم من أن الاستثمار الأجنبي المباشر FDI شهد ارتفاعا ملحوظا في العام 2024، إلا أن الاستثمارات الحافظة لم تواكب هذا الارتفاع وظلت دون المستوى المأمول مقارنة بالأسواق المجاورة مثل السعودية والإمارات، حيث سجلت انخفاضا بقيمة 302 مليون دينار في عام 2023 عن العام 2022، بإجمالي 4.214 مليار، لتشكل ما يقارب 17.4% فقط من الإستثمار الأجنبي المباشر، و 10% فقط من الإستثمار الأجنبي داخل المملكة، للعام 2023. من جهة أخرى، يشكل رصيد الأنشطة المالية وأنشطة التأمين ما نسبته 63% تقريبا من استثمارات الحافظة، بقيمة 2.671 مليار دينار تقريبا، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في هيكل توزيع الإستثمارات للأنشطة الأخرى.
يمتلك الأردن فرصة ذهبية للتحول إلى مركز مالي إقليمي إذا ما أحسن استغلال موقعه الاستراتيجي، وطوّر أدواته الاستثمارية بما يتناسب مع التغيرات الإقليمية والدولية، حيث يمكن إطلاق حملات ترويجية تستهدف صناديق الاستثمار العالمية، خاصة في القارة الأوروبية ودول الخليج، كما يمكن تطوير أدوات استثمارية جديدة؛ كالصكوك الإسلامية وصناديق المؤشرات، لتوسيع قاعدة المستثمرين. علاوة على ذلك، يمكن تعزيز الشفافية والاستقرار بتحسين حوكمة الشركات، وتوفير بيانات مالية دقيقة وسريعة، بالإضافة إلى تشجيع المستثمر المحلي بمنحه حوافز ضريبة، وتشجيع التداول الإلكتروني لتوسيع المشاركة في السوق، وغيرها من الفرص.
إن انخفاض الاستثمارات الحافظة رغم صدور قانون تشجيع الاستثمار، يعكس الحاجة إلى مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية بما يتجاوز التشريع إلى تفعيل بيئة استثمارية حقيقية تستوعب تطلعات المستثمرين. يمثل ذلك تحديا وفرصة في الوقت ذاته؛ تحديا لإعادة بناء الثقة، وفرصة لإعادة هيكلة السوق المالي وتطوير أدواته بما يتناسب مع التحولات الإقليمية والدولية، كما إن تفعيل هذه الفرص قد يجعل من الأردن بيئة أكثر جاذبية للاستثمار، ويعزز من دوره كمركز مالي إقليمي في السنوات القادمة.
انخفاض الاستثمارات الحافظة في ظل قانون تشجيع الاستثمار – تحديات وفرص
رابط مختصر
المصدر : http://zajelnews.net/?p=140230