شجع النمو المتسارع في الطلب على الطاقة شركات خليجية وعالمية على دراسة عروض للاندماج أو الاستحواذ على مصافي نفط في دول آسيوية تشهد نمواً متسارعاً في الطلب على النفط، بالإضافة إلى أن انخفاض أسعار النفط يدعم سياسة التفاوض الرامية للاندماج أو الاستحواذ على هذه المصافي.
وأوضح مسؤول خليجي في صناعة النفط، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن وزراء النفط والطاقة في عدد من الدول المنتجة للنفط من بينها دول خليجية يدرسون إمكانية التوسع في قطاع النفط والغاز، عن طريق اقتناص فرص الاندماج أو الاستحواذ على مصافي نفطية خاصة في دول آسيوية نتيجة نمو الطلب على النفط فيها.
وأشار إلى أن التركيز حاليا على هذه الفرص في الأسواق الآسيوية، بينما لا تحبذ شركات النفط الاستحواذ على مثل هذه المصافي في الغرب بسبب ضعف نمو الطلب، مضيفا أن استقرار أسعار النفط سيشجع شركات النفط على اتخاذ خطوات جادة لعمليات الاستحواذ أو الاندماج بعد تقييم دراسات الجدوى المعروضة أمامها حاليا.
وقال المسؤول إن توقعات المؤسسات الاقتصادية الدولية بشأن تحسن أسعار النفط خلال الأشهر المقبلة، وتخطيها مستوى 60 دولارا تدعم توجه شركات النفط للمضي قدما في سياسة الاستحواذ والاندماج.
من جانبه، قال الدكتور أحمد الشريان؛ الأمين العام للهيئة العامة الوطنية للنفط والغاز في مملكة البحرين، إن عددا من الدول الخليجية المنتجة للنفط لديها نشاط واستثمارات خارج الحدود في صناعة النفط، مستشهدا بتجارب استثمارية ناجحة لدول خليجية في قطاع النفط خارج حدودها، خاصة في عدد من الدول الآسيوية مثل إندونيسيا، واليابان.
جدوى الاستثمار
وأضاف الشريان أنه رغم الجدل الدائر الآن حول جدوى الاستثمار في مصافي التكرير في عدد من الدول الآسيوية، بعد أن واجهت هذه الاستثمارات تحديات جمة لاعتبارات كثيرة طرأت على هذا النوع من الاستثمار في مقدمتها انخفاض أسعار النفط وتكاليف التشغيل، إلا أن الاستثمار في مصافي التكرير خارج الحدود يعتبر فرصا استثمارية واعدة في حال تحسن مستويات أسعار النفط.
أما بخصوص سياسة البحرين المتعلقة بالاستحواذ أو الاندماج، فأوضح الشريان، أن البحرين ليست لديها استثمارات في الخارج، ولكن لديها بعض الأنشطة في صناعة النفط التي يمكن أن يكون للقطاع الخاص داخل البحرين وخارجها دور في تنفيذها بما في ذلك مشروع مرفأ استقبال الغاز المسال في البحرين.
ولفت إلى أن البحرين لا يوجد لديها أي توجه فيما يتعلق بالاستثمار في المصافي خارج الحدود، ولكن هذا المجال يشكل فرصا استثمارية واعدة لدول خليجية أخرى منتجة للنفط، حيث خطت الكويت خطوات جادة في هذا المجال.
بينما يرى حجاج بو خضور، مختص نفطي في الكويت، أن هناك استراتيجية تتبعها بعض الدول لدفع أسعار النفط للانخفاض وإبقائها دون مستويات 50 دولارا للبرميل، بعد أن كانت عند مستوى فوق 100 دولار، رغم أن قوة الطلب في السوق لا تبرر بأي شكل من الأشكال هذا الانخفاض، الأمر الذي يؤكد أن هذا الانخفاض كان مفتعلا.
وأفاد بو خضور بأن هذه الاستراتيجية عادة تتبع كأداة لتشجيع عمليات الاندماج والاستحواذ، موضحا أن ذلك وضح جليا في فترة التسعينيات، عندما بدأ البنك الدولي والمؤسسات الدولية بشكل عام تصدر مؤشرات اقتصادية تخدم استراتيجية من أجل تخفيض أسعار النفط حتى وصلت إلى مستوى معين، بعدها بدأت خطوات الاندماج والاستحواذ على مصافي النفط، حيث ارتفعت وتيرة الاندماج والاستحواذ خلال عامي 1998 و1999، اللذين شهدا اندماجا بين “موبيل” و”إكسون”، و”شيفرون” مع “تكساكو”، وغيرها من الاندماجات التي حدثت بين شركات النفط العالمية.
وبين أن هذا المشهد يتكرر الآن بعد أن انخفضت أسعار النفط إلى دون 50 دولارا، حيث بدأت عمليات الاندماج والاستحواذ على مصافي تكرير النفط، بعد أن انخفضت أسهم هذه المصافي في الأسواق العالمية، حتى تكون تكلفة الاندماج أو الاستحواذ أقل، باعتبار أنها تؤسس على أساس أسعار منخفضة للسلع وأسهم هذه المصافي. ولفت بو خضور إلى أن مصاف تكرير النفط في آسيا وتحديد في دول شرق آسيا ستكون هدفا لشركات النفط العالمية بهدف الاستحواذ عليها خاصة أن في الدول الآسيوية التي تشهد تزايدا في استهلاك النفط، مشيرا إلى أن سياسة الاستحواذ على هذه المصافي ستحقق عوائد اقتصادية كبيرة لهذه الشركات في مقدمتها زيادة حصصها في السوق الآسيوية. كما أكد بوخضور نجاح فكرة الاستحواذ على المصافي في الدول الآسيوية، مدللا على ذلك بأن ما تم الاستحواذ عليه في الأسواق خلال فترة التسعينيات تجني ثماره الشركات حتى الآن سواء من حيث تغطية الطلب في هذه الأسواق أو زيادة حصصها فيها.
ونوه إلى ضرورة أن تواكب الصناديق السيادية وصناديق الاستثمارات في دول الخليج هذه الاستراتيجية لعمليات الاندماج والاستحواذ على المصافي في آسيا ودراستها بشكل دقيق قبل الدخول فيها، حتى تحقق لها عوائد اقتصادية ممتازة.
ولفت إلى أن نمو الطلب على النفط في الأسواق الآسيوية يعتبر أكبر بكثير من نموه في الغرب، فالنمو في الهند والصين ودول شرق آسيا مثلا يساوي نحو أربعة أضعاف النمو في أوروبا وأمريكا، متوقعا ارتفاعه مستقبلا.
وأشار إلى وجود أسواق في ماليزيا وفيتنام وإندونيسيا ستضمن رفع الطاقة التكريرية لشركات النفط الخليجية والعالمية، مضيفا أن هذا الأمر سيتحقق عن طريق سياسة الاستحواذ الكامل على المصافي القائمة أو الدخول في شراكات مباشرة مع الشركات الآسيوية المحلية لبناء مصاف جديدة. وتوقع وجود تسابق من قبل شركات النفط العالمية، في الفترة المقبلة، للتوسع في الاستحواذ أو بناء مصاف جديدة في آسيا، مشيرا إلى أنه يجب أن تتم هذه الخطوة بعد دراسة متأنية، خاصة أن كثيرا من شركات النفط العالمية وفي ظل تراجع أسعار النفط أصبحت تتبع سياسة تقليص النفقات في المشاريع المستهدفة.