أعلنت بعض المصادر الإخبارية مؤخرا أنه من المنتظر أن تستقبل دور العرض الأميركية فيلم “أرقام مخفية” ، بالإضافة إلى نشر الكتاب الذي يحمل نفس العنوان، وتحاول من خلالهما الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء الأميركية (ناسا) رد الاعتبار للدور المسكوت عنه للنساء في غزو الفضاء.وتجري الأحداث في أجواء الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وتدور حول العلماء النساء الأفروأميركيات اللاتي شاركن في ناسا ولم يتم الاعتراف بدورهن إلا بعد سنوات طويلة لأسباب عنصرية.وتعود تسمية هؤلاء النساء بـ”الأفروأميركيات” إلى أنهن ينتمين إلى مجموعة عرقية من أصول أفريقية تسمى بالأفارقة الأميركيين، وعلى الرغم من اتساع شعبية حركة تصويت النساء في أميركا، يتزايد تهميش النساء ذوات الأصل الأفروأميركي ولم تتمكن الأفروأميركيات من ممارسة حقهن في التصويت حتى نهاية الستينات من القرن العشرين ولم تثنيهن مثل هذه الصعوبات عن موقفهن. الكتاب والفيلم يمثلان فرصة لإزاحة الستار لا عن الأفروأميركيات فحسب بل وكل امرأة عربية مهما كان انتماؤها وعرقها ساهمت من قريب أو من بعيد في العمل بوكالة ناسا.يعدّ الحصول على فرصة عمل بـ”ناسا” من الأمور الصعبة، لا سيما إذا ما كان المتقدم من غير الجنسية الأميركية ومع ذلك فرضت نساء عربيات أسماءهن ضمن طواقم هذه الوكالة ومن بينهن السودانية وداد إبراهيم المحبوب التي وفق ما تداولته صحيفة سودانية محلية منحتها وكالة ناسا أخطر مهمة، وتتمثل في وضع المعادلات الرياضية الخاصة بالصواريخ والمركبات الفضائية التي توجّهت لكوكب المريخ، مما سيساهم في الكشف عن الكثير من خصائص الكوكب الأحمر، علما وأنها تحمل الجنسية الأميركية.ولم تحظ المحبوب بهذه المكانة المرموقة بوكالة الفضاء الأميركية من فراغ فقد درست الفيزياء وعلوم الفضاء في السودان ومصر وسافرت بعد ذلك إلى هولندا، ثم حصلت على الماجستير في الهندسة الفيزيائية والدكتوراه في هندسة البيئة الفضائية من جامعة ويسكونسن ماديسون الأميركية.وعملت المحبوب أستاذة للفيزياء والرياضيات التطبيقية، بجامعة هامبتون بولاية فرجينيا، بالإضافة إلى العمل كأستاذة في قسم علوم الفضاء وأنظمة الاستشعار عن بعد، ثم درست الكواكب ومكوناتها وطرق تحليلها بوكالة ناسا.وتعمل المحبوب على دراسة كوكب المريخ بهدف اكتشاف أسراره وثرواته، والأهم من كل ذلك أن المحبوب أول عالمة عربية مسلمة تصل إلى هذه المناصب الأكاديمية والعلمية.ومن الأسماء الأخرى التي ذاع صيتها بوكالة ناسا المغربية أسماء بوجيبار التي درست بالدار البيضاء وواصلت تعليمها بفرنسا حيث أكملت دراستها في مجال العلوم. وتحولت المغربية بوجيبار بعد ذلك إلى واحدة من بين أوائل النساء العربيات والأفريقيات اللاتي انضممن إلى ناسا وكان ذلك إثر تقدمها بطلب لإجراء بحوث ما بعد الدكتوراه في ناسا سنة 2013، حيث تشتغل في أبحاث تتعلق بالتوازن الكيميائي بين الغلاف والنواة.ومن المغرب أيضا نجد الباحثة سلوى رشدان المتخصصة في التغيّرات المناخية، وقد عملت في مختبرات ناسا على تطوير نموذج يسمح بالتأقلم مع التغيرات المناخية كي لا يتسبب النشاط الفلاحي في تدمير المجال البيئي.وتعد سهى القيشاوي الفلسطينية وبالتحديد من غزة كبير المهندسين البرمجيين بوكالة ناسا. وقد التحقت القيشاوي بمجرد تخرجها بالعمل في برنامج مكوك فضائي للإنسان في أميركا، ويتمثل عمل هذه الفلسطينية في إصدار نماذج مهمات رواد الفضاء إلى الأماكن التي يتم إرسالهم إليها، خاصة إلى الكوكب الأحمر، إلى جانب إشرافها على فحص نظام إطلاق المكوك الفضائي والتأكد من إقلاعه، ومتابعة تحليقه في الفضاء، وأدائه كل مهامه إلى حين عودته.
وأبدت الطفلة الإماراتية دانة البلوشي نبوغا في العلوم مما استدعى التحاقها في عمر التسع سنوات بوكالة ناسا بهدف تدريبها في مجال العلوم وهندسة الفضاء واختبارات الروبوت الفضائي. وعشقت الأردنية آيات عمر التكنولوجيا وعالم الروبوتات منذ نعومة أظافرها وكابدت الظروف الاقتصادية لتصل بعد أعوام إلى وكالة ناسا بفكرة أردنية ما زالت قيد الدراسة والبحث والتنفيذ.وحصدت عمر لقب أول عربية تدخل وتشارك في مسابقة وكالة ناسا الدولية الخاصة بالأفكار المبتكرة في مجال اكتشاف الفضاء.وتتمثل فكرة المشروع، بحسب الأردنية عمر، في جهاز قادر على استكشاف أحد كواكب المجموعة الشمسية عن طريق روبوت متعدد المهام.ويعود سبب اختيار عمر من قبل وكالة ناسا إلى أنها صاحبة الفكرة الوحيدة التي تهدف إلى استكشاف كواكب ذات طبيعة مختلفة تحتوي على جليد وماء.ومن المهم التعريج على فوز اختراع لأربع طالبات عراقيات في تصفية المياه بالمركز الأول في أميركا ليتم اختياره من قبل ناسا.ويتكون فريق العمل من الطالبات إسراء الفضلي وريجينا الصباغ وفرح صباح ومريم كافره، علما وأنهن وصلن أميركا لاجئات رفقة عائلاتهن.وتركزت فكرة هذا العمل على اكتشاف طريقة جديدة لتنقية المياه المستخدمة من قبل رواد الفضاء في مكوك الفضاء أو المحطة الفضائية العالمية أو المركبات الفضائية طويلة المدى، وذلك في ظروف انعدام الجاذبية الأرضية، وبالتعامل مع أنواع البكتيريا المتكونة وبكتيريا الأيكولاي على وجه التحديد، وذلك باستخدام تقنيات عملية ومواد معقمة لا تترك آثارا سلبية، مما يوفر فرصة لإعادة استخدام هذا الماء من جديد بعد أن جرت إعادة تهيئته وبمواصفات ممتازة وملائمة للاستخدام البشري في الشرب أو التنظيف.
وكرمت بجائزة المرأة العربية السنوية لعام 2015 في لندن العالمة المغربية مريم شديد التي تعدّ أول سيدة عربية تعمل في مجال الفضاء وتحوز أبحاثها على تقدير كبير من كبرى المؤسسات العلمية في العالم.وجاء هذا التكريم خلال حفل أقيم في ديسمبر 2015 برعاية عمدة لندن وبالتعاون مع غرفة التجارة العربية البريطانية ومؤسسة لندن وجامعة ريجنتس.ووفقا لما أفادت به وسائل إعلام سعودية خلال سنة 2012، فإن وكالة ناسا قد اختارت العالمة والباحثة السعودية في مجال البيئة والإنسان والتنمية المستدامة ماجدة أبوراس كأحد أعضاء فريق علمي يهدف لتنفيذ مشاريع علمية تسهم في تطوير المنطقة العربية.تجدر الإشارة إلى أن أبوراس شغلت موقع الأستاذ المساعد في قسم التقنية الحيوية التابع لكلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وهي خريجة جامعة بريطانية وحاصلة منها على شهادة دكتوراه في التقنية الحيوية للملوثات البيئية بتخصص تلوث البترول. وأثار كشف الأفروأميركية كاثرين جونسون عن بعض الحقائق حول عملها بوكالة ناسا بمناسبة الإعلان عن الكتاب والفيلم، الستار عن بعض أسرار رائدات الفضاء من بنات جنسها.وقالت جونسون أنها عملت مع جون جلين، أول رائد فضاء بوكالة ناسا يدور حول كوكب الأرض في مركبة فضائية في فبراير عام 1962، وأن وجودها بجانبه كان من ضمن شروطه للعمل، حيث كان يردد وفق جونسون “فلتحسب الفتاة الأرقام وتراقب التوقيت. إذا قالت الفتاة إن كل شيء تمام فأنا مستعد”.ولم تحظ جونسون الأميركية من أصول أفريقية بهذه الفرصة من فراغ، فقد كانت موهوبة بصورة غير عادية في علوم الرياضيات، وكانت في ذلك الوقت في الثالثة والأربعين من عمرها، وتنتمي لمجموعة من البروفيسرات والعلماء النساء، غير المعروفات بطبيعة الحال، إلا أن مهمتهن كانت فائقة الحساسية: قياس منحنيات طيران أسطول سفن الفضاء الأميركية.وأوضحت جونسون أن تنفيذ هذه المهمة الخطيرة يعتمد على أدوات بسيطة لا تتعدى الورق والأقلام، وأحيانا حاسبات آلية بدائية للغاية. إلا أن هذه الأعمال العظيمة تم تجميعها في كتاب بعنوان “أرقام مخفية”.جدير بالذكر أنه أواخر عام 2015 منح الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما ميدالية الحرية الوطنية لجونسون اعترافا بدورها المهم في بدايات وكالة ناسا.يشار إلى أنه عام 1935، وظفت وكالة ناكا (وكالة استشارات الفضاء الوطنية)، التي حلت وكالة ناسا محلها بعد ذلك، عددا محدودا من النساء للقيام بمهام الحسابات الرياضية، وكانت مهمة ضخمة وبالغة الأهمية تتضمن التعامل مع كمّ هائل من البيانات الكثير.وعام 1941، أمر الرئيس فرانكلين روزفيلت، بالقضاء على العنصرية بالنسبة للأميركيين ذوي الأصول الأفريقية في مجالي التصنيع الحربي والفضائي، وبناء عليه قام معمل أبحاث لانجلي التابع لناسا في هامبتون بولاية فيرجينيا عام 1943، بتوظيف مجموعة من الأفروأميركيين المؤهلين على أعلى مستوى، جميعهم من خريجي جامعات السود. وأحدث الأمر طفرة كبيرة، حيث تنتمي جونسون لهذا الجيل من الرواد.جونسون الآن في الثامنة والتسعين من عمرها، وبفضل موهبتها الاستثنائية أنهت دراستها الثانوية، وتخطت التوجيهية وهي دون الرابعة عشرة من عمرها، وفي الثامنة عشرة، كانت قد حصلت على أول دبلوماتها في مجال الرياضيات.كان الحصول على عمل في معمل أبحاث لانجلي بمثابة فرصة حقيقية بالنسبة إلى جونسون وخطوة عملاقة في مسيرتها، حرصت على ألا تفلت من بين أيديها، لم يكن يعنيها أن تكون وظيفتها ظاهرة أم مخفية هي وزملاؤها بالطبع، كما لم تكن تكترث لأنه بالرغم من إلغاء الفصل العنصري رسميا، كانت مضطرة لاستخدام حمامات خاصة ببني بشرتها وكذلك قاعات استراحة.وخلال عشر سنوات لم يكن فريق العلماء من النساء البيض، يعلم بوجود زميلات لهن من ذوي البشرة السمراء، وظل هذا الانفصال قائما حتى السنوات الأولى من عقد الخمسينات من القرن العشرين.وظلت جونسون تمارس عملها في الوكالة حتى عام 1986، حيث حظيت في السنوات الأخيرة لمشوارها مع ناسا بجهاز حاسوب شخصي، حيث قالت عنه “كان أسرع″، مشيرة إلى أن من بين المهام التي أوكلت إليها عبر مشوارها الطويل، حسابات رحلة سفينة الفضاء أبوللو، التي مكنت رائد الفضاء، نيل أرمسترونج من أن يخطو أولى خطوات للإنسان على سطح القمر.وتجدر الإشارة إلى أن مارجو شترلي، وهي أفروأميركية، ابنة باحث سابق بمعمل لانجلي، كانت قد سمعت في 2010 بالتجارب والمهام المخفية التي كانت تقوم بها باحثات من بني جلدتها، فشرعت في التحقيق في الأمر لكشف سر هذا التاريخ المسكوت عنه.وفي هذا السياق توضح شترلي “كان الكثيرات من هؤلاء النساء يتمتعن بالذكاء والموهبة والنشاط، بالإضافة إلى مشاركتهن الفعالة في التجمعات المناضلة من أجل الحقوق المدنية التي ساهمت جهودها في إحداث تغيرات اجتماعية قوية.في كثير من الأحيان، كن يجدن صعوبة في التوفيق بين عملهن العلمي ونشاطهن النضالي، ولكن حبّهن وشغفهن بما كن يقمن به كان الدافع وراء إنجازهن الكبير”.وقالت شترلي إن جونسون ورفيقاتها بوصفهن أرقاما مخفية، حققن إنجازا مزدوجا: النضال من أجل المساواة بين الجنسين في قطاع مهمّ مثل أبحاث الفضاء، الذي كان يخضع بالكامل لسيطرة الرجال، وانتزاع حقوق الملوّنين في وقت سادت فيه العنصرية المجتمع الأميركي.وقالت جونسون إنه بالرغم من كل الصعوبات والمعوقات لم تشعر في أي وقت من الأوقات أنها أقل شأنا أو أن أحدا.وفي الأخير يجدر القول إن الإعلان عن كتاب وفيلم “أرقام مخفية” فتح بابا لتقديم لمحة حول رائدات الفضاء العربيات والأفروأميركيات إلى حين مشاهدة المزيد في يناير 2017 بدور العرض الأميركية على أمل انتشارهما بعد ذلك في كامل أنحاء العالم.