تدخل الخدمات الصحية في الإمارات مرحلة التطبيق نهاية العام الجاري، تزامناً مع بدء تطبيق نظام الملف الموحّد لكل مواطن ومقيم على أرض الدولة، بعد اكتمال عملية الربط الإلكتروني بين الجهات الصحية الرسمية الثلاث: وزارة الصحة ووقاية المجتمع، وهيئة الصحة بدبي، وشركة أبوظبي للخدمات الصحية (صحة)، على أن يكتمل موضوع الربط مع القطاع الخاص في 2021.
وتوقعت مصادر في الصحة أن يوفّر المشروع مئات الملايين من الدراهم سنوياً على الجهات الصحية والمرضى، إذ سيتم وقف عملية الهدر في صرف الأدوية وإجراء الفحوص المبالغ فيها من قِبل بعض المستشفيات والمراكز للمرضى التي تتفنن بها المنشآت.
وطالب عدد من المتخصصين بضرورة إصدار تشريع يتيح تبادل معلومات المرضى وبياناتهم، خاصة أنها من الأمور الشخصية التي لا تعد ملكاً للجهة الصحية، والتي تمنع أخلاقيات مهنة الطب الإفشاء عنها أو إعطاءها لأي شخص، أو حتى تبادلها مع الجهات الصحية الأخرى.
تقنية المعلومات
وقال الدكتور أمين بن حسين الأميري، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لسياسات الصحة العامة والتراخيص: «إن مشروع إصدار قانون اتحادي بشأن استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في المجالات الصحية تم إعداده بالتعاون بين الوزارة والجهات الصحية الأخرى وكل الجهات المعنية، بوضع الضوابط اللازمة لضمان استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في أفضل الظروف، والاستفادة منها بأقصى قدر ممكن لتوفير الخدمة الصحية المناسبة للمريض، وتيسير التواصل بين كل المتعاملين والمتدخلين في الشأن الصحي.
وقال إن استخدام مثل هذه التقنيات في مجال حسّاس كالمجال الصحي يقتضي وضع قواعد دقيقة تضمن الحفاظ على حقوق كل طرف وتحديد واجباته، وهذه القواعد تهم خاصية سلامة وأمن البيانات والمعلومات الصحية، وكيفية تبادلها، وضمان سرّيّتها وحمايتها وموثوقتها، تحقيقاً لاستخدامها بصفة سليمة وآمنة.
وأضاف: «سعياً لتطوير أداء النظام الصحي في الدولة بأفضل ما توصلت إليه الإنجازات العلمية الحديثة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ينص مشروع القانون على إنشاء منظومة موحدة مركزية لحفظ وتبادل البيانات والمعلومات الإلكترونية الصحية وتنظيم استخدامها، وهذا من شأنه أن يسهّل عملية التبادل الإلكتروني بين مختلف مقدمي الخدمات الصحية وكل الجهات المهتمة بالشأن الصحي في الدولة، مع المحافظة على سلامة وأمن هذه البيانات والمعلومات وحماية الخصوصية، وفقاً للمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال، كالقواعد المتعلقة بشروط الدخول على المنظومة، والمحافظة على السرية، وضمان موثوقية وتوافر البيانات والمعلومات، وغير ذلك من الإجراءات والتدابير الضرورية في هذا المجال، وسيكون لهذه المنظومة المركزية الموحدة دور فاعل في تعزيز جهود الدولة لجمع البيانات والإحصائيات من مختلف الجهات ودراستها، ومن ثم رسم السياسات الصحية الوطنية وتطويرها بناء على معطيات دقيقة».
وأضاف أن مشروع القانون يتضمن 36 مادة، وقد شاركت في صياغته، إلى جانب وزارة الصحة، كل من وزارة الداخلية، وهيئة الصحة بأبوظبي، وهيئة الصحة بدبي، وهيئة تنظيم الاتصالات، وهيئة الإمارات للهوية، ودائرة الشؤون القانونية بحكومة دبي، وجهاز أمن الدولة.
وقال: «إن القانون تمّ النظر فيه من قبل اللجنة الفنية للتشريعات خلال اجتماعها الأخير الشهر الماضي بوزارة العدل بأبوظبي، برئاسة معالي وزير العدل، وقد وافقت اللجنة على مشروع القانون، وسيحال لاحقاً إلى الجهة المختصة لاستكمال إجراءات إصداره».
تحوّل
من جهته، أكد معالي حميد محمد القطامي، رئيس مجلس الإدارة، المدير العام لهيئة الصحة بدبي، أن الهيئة أكملت مشروع الملف الطبي الموحد «سلامة» الذي يربط جميع مستشفيات ومراكز الهيئة، ولا يقتصر على كونه تحولاً في المنظومة الصحية، بقدر ما هو مفهوم جديد للرعاية، ووسيلة متقدمة لتقديم خدمات طبية تفوق توقعات المتعاملين، وتحقق رضاهم وسعادتهم.
وأكد معاليه أن المشروع يتوافق مع آخر الأنظمة والبرامج الإلكترونية الذكية، وأنه يعدّ تحولاً مهمّاً في القطاع الصحي، ليس لارتباطه بأفضل التقنيات والتجهيزات فائقة المستوى وحسب، وإنما لشمولية فوائده وإيجابياته على صعيد الخدمات الطبية التي توفرها الهيئة لجمهور المتعاملين، وامتداد ثمار المشروع لدعم اتخاذ القرار الطبي للأطباء والطواقم الطبية المساعدة والإداريين.
وأشار إلى أن المشروع يهدف إلى توفير الوقت والجهد على المريض، وتسريع التواصل بين المريض والطبيب، وتسريع إجراءات العلاج، إضافة إلى إمكانية الاطلاع على الملف الطبي من أي مكان وزمان، ومساعدة الأطباء على اتخاذ القرارات الطبية.
وذكر معاليه أن أعمال التحضير وفترة التشغيل التجريبي للمشروع شملت استهداف 11 ألف موظف وموظفة بالتدريب على استخدام النظام الجديد لمشروع سلامة، كما أنجزت الهيئة عملية تدريب الفريق القائم على تشغيل المشروع الذي يضم 60 موظفاً وموظفة من المتخصصين، وفي الوقت نفسه أنجزت الهيئة ضم أكثر من مليون و400 ألف سجل إلى نظام سلامة الشامل.
وأفاد بأن موظفي الهيئة تلقوا تدريبهم على تطبيق مشروع «سلامة» داخل الدولة وفي الولايات المتحدة الأميركية من قِبل شركة (EPIC) العالمية، إذ حصلوا جميعاً على شهادات معتمدة دولياً لتشغيل النظام الجديد الذي تم العمل به حسب الجدول الزمني للتنفيذ.
تدريب
بدورها، أوضحت أماني الجسمي، مديرة إدارة تقنية المعلومات في هيئة الصحة بدبي، أن الهيئة أكملت استعداداتها لعملية الربط بعد إكمال ربط جميع مستشفيات ومراكز الهيئة في مشروع سلامة، بعد اكتمال إطلاق المشروع في مستشفى راشد ودبي ولطيفة، وحتا، ومركز دبي للأمراض النسائية والإخصاب، ومركز الثلاسيميا، ومراكز فحص اللياقة الطبية والصحة المهنية، ومركز دبي للأمراض الجلدية، وعيادات المطار، ومركز دبي للعلاج الطبيعي، وإعادة التأهيل، ومركز البرشاء الصحي، وملتقى الأسرة، وجميع مراكز الرعاية الصحية الأولية، لتكون الهيئة بذلك قد أنجزت مشروعها الذي استهدف رفع كفاءة المنظومة الصحية، والكفاءة التشغيلية لمنشآتها الطبية، بما يواكب الطلب المتنامي على خدمات «صحة دبي» محلياً وخارجياً، ويمكّن المستشفيات والمراكز من تقديم أفضل الخدمات الصحية لجمهور المتعاملين.
وقالت: «إن تشغيل المشروع استلزم تدريب أكثر من 10 آلاف موظف وموظفة في الهيئة من الكوادر الطبية والطبية المساعدة والإدارية»، مشيرةً إلى أنه بموجب المشروع تم تخصيص سجل فردي إلكتروني موحد للمريض يشمل معلوماته الطبية كاملة، الشيء الذي يمكن الطبيب من الحصول على ملف المريض مباشرة، بغض النظر عن آخر مكان تم تلقي العلاج فيه.
وأوضحت أماني الجسمي، مديرة إدارة تقنية المعلومات في الهيئة، أن قائمة المستفيدين من مشروع سلامة – الذي تم إنجازه بالتعاون مع شركتي (IBM) و(EPIC) – تمتد إلى الإداريين والأطباء وطاقم التمريض والفئات الطبية المساندة والمراجعين.
ولفتت إلى أن المشروع يستهدف تسهيل انتقال المرضى بين المستشفيات والعيادات الحكومية في إمارة دبي، ويركز على توحيد وتوثيق إجراءات العمل في المستشفيات والعيادات، وسرعة الوصول إلى البيانات الشاملة للمرضى في مواقع الرعاية الطبية.
منصة صحية رقمية
وبدوره، أكد الدكتور محمد سليم العلماء، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع، أن الربط الإلكتروني والملف الموحد الخاص بكل مريض في الدولة يمثل إنجازاً وتطوراً فريداً في مسار تقديم مقومات الرعاية الصحية التي تفوق توقعات الأفراد وفق أعلى الممارسات العالمية في جودتها واستدامتها نحو استشراف المستقبل ومئوية الإمارات، في إطار استراتيجية الوزارة لتقديم الرعاية الصحية الشاملة والمتكاملة، وتطوير نظم المعلومات الصحية، وبناء أنظمة الجودة والسلامة الصحية، وترسيخ ثقافة الابتكار.
وأشار إلى أن هذا المشروع الوطني يأتي في إطار الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 نحو بناء نظام صحي يستند إلى أعلى المعايير العالمية، وترسيخاً لمكانة دولة الإمارات العربية المتحدة على خريطة الابتكار العالمية في صناعة الرعاية الصحية الإلكترونية، مشيرةً إلى أن هذا المشروع هو الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، من حيث ربط مختلف الجهات الصحية في أي دولة.
وبيّن الدكتور العلماء أن نظام «رعايتي» يعد منصة صحية رقمية تقدّم بيانات محدثة لسجلات المرضى، تسهم في تعزيز وتمكين قطاع الرعاية الصحية في دولة الإمارات، وتقديم حلول مبتكرة في مجال الأتمتة وإدارة البيانات الصحية، لافتاً إلى أن النظام سيكون مصدراً للبيانات الشاملة عن الوضع الصحي لسكان الإمارات وجودة الخدمات المقدمة، وسيتم توفير هذه المعلومات القيّمة لمقدمي خدمات التأمين الصحي، وللجامعات وللباحثين، مع تطبيق أعلى معايير السرية والخصوصية القائمة حالياً.
وأكد أن إطلاق نظام رعايتي جاء ضمن الأهداف الاستراتيجية التي تعمل عليها الوزارة كجزء حيوي من الأجندة الوطنية 2021، لترسيخ مكانة الإمارات بين رواد الصحة الإلكترونية على مستوى العالم.
قاعدة بيانات
أما عوض صغير الكتبي، الوكيل المساعد لقطاع الخدمات المساندة، فأوضح أن الغاية من مشروع السجل الوطني الطبي الموحد بناء قاعدة بيانات صحية تشاركية على الصعيد الوطني، من أجل تطوير مستويات الرعاية الصحية، وتعزيز مشاركة المرضى، والمحافظة على خصوصيتهم، وفق أعلى المعايير العالمية، إذ ستؤدي الصحة الرقمية دوراً رئيساً في مستقبل الخدمات الصحية بالدولة، تنفيذاً لرؤية الإمارات 2021، وتماشياً مع استراتيجية الوزارة بتطوير نظم المعلومات الصحية، وتطبيق معايير عالمية في إدارة البنية التحتية في المنشآت الصحية، وتطوير التكنولوجيا المناسبة لنظام إدارة صحة السكان.
تخفيض التكاليف
وقال الدكتور يوسف السركال، وكيل وزارة الصحة ووقاية المجتمع المساعد لقطاع المستشفيات، إن الملف الطبي الموحد سيسهم في تخفيض التكاليف والأعباء الاقتصادية على كل من المريض والدولة، إذ تقدر الوفورات بمئات الملايين، خاصة في عمليات صرف الأدوية وفحوص الأشعة والمختبرات والتحاليل الطبية كافة التي قد يخضع لها المريض، إضافة إلى توفير المزيد من الوقت والجهد على مقدمي الرعاية الصحية والمريض في الوقت نفسه.
بدورها، أكدت مباركة إبراهيم، مديرة إدارة نظم المعلومات الصحية، أن نظام رعايتي -بوصفه مشروعاً وطنياً مبتكراً- يعتمد على نماذج حديثة في تقديم الرعاية الصحية، من شأنها أن تزيد جودة الرعاية، وتحسّن كفاءة الخدمات المقدمة إلى السكان، من خلال ربط السجلات الصحية لجميع المواطنين والمقيمين ومزودي خدمات الرعاية الصحية في البلاد بمنصة تبادل المعلومات الصحية، بطرائق آمنة لإدخال ومشاركة المعلومات الطبية الصحيحة مع الأشخاص المعنيين في الوقت المناسب، من دون الحاجة إلى تكرار المعلومات نفسها عند مراجعة طبيب جديد، ما سيسمح بتبادل المعلومات الطبية بين جميع المهنيين في مجال الرعاية الصحية ومزودي الخدمات والأفراد في جميع أنحاء الإمارات بشكل آمن.