تسجيل الدخول

الذكاء الاصطناعي بين الفرص والمخاطر: نحو توازن رقمي يحمي الإنسان

zajelnews2015 zajelnews201520 سبتمبر 2025آخر تحديث : منذ 3 أسابيع
الذكاء الاصطناعي بين الفرص والمخاطر: نحو توازن رقمي يحمي الإنسان

بقلم: الاخصائية النفسية رولا حبش

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد فكرة تكنولوجية مستقبلية، بل أصبح واقعًا حاضرًا يرافق حياتنا اليومية في تفاصيلها الدقيقة. فمن خلاله يمكن تحويل صورة صغيرة إلى مقطع فيديو كامل أو كتابة نصوص وأبحاث متكاملة في ثوانٍ معدودة. هذا التطور الهائل يفرض علينا طرح أسئلة جوهرية حول ما الذي يمكن أن نجنيه من هذه الثورة، وما المخاطر الكامنة وراءها، وكيف نوازن بين الاستفادة والحماية.

تشير تقارير عالمية حديثة إلى أن نسبة تبنّي الذكاء الاصطناعي تجاوزت 72 في المئة من المؤسسات على مستوى العالم، وهو ما يعكس أنه لم يعد رفاهية أو خيارًا محدودًا، بل أصبح قوة مؤثرة في مختلف القطاعات. في المجال الطبي، يُستخدم للكشف المبكر عن الأمراض وتحليل صور الأشعة بدقة عالية. وفي التعليم، يساعد على تصميم محتوى أكثر تفاعلية ويمنح الطلاب أدوات للتعلم الذاتي. أما في قطاع الأعمال، فيفتح آفاقًا واسعة لتحليل الأسواق والتنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية، مما يمنح الشركات ميزة تنافسية واضحة. وحتى على المستوى الإبداعي، بات الفنان والكاتب والمصمم يستفيدون من أدوات الذكاء الاصطناعي في اختصار الوقت وتحويل الأفكار إلى إنتاج ملموس.

لكن مع هذه الإيجابيات هناك وجه آخر لا يقل خطورة. فقد أظهرت دراسة لمركز MIT أن اعتماد القطاعات الصناعية على الذكاء الاصطناعي ارتفع بنسبة 47 في المئة خلال أقل من عام، غير أن الفجوة في فهم مخاطره لا تزال قائمة. كما تبين أن 40 في المئة من المؤسسات لا تمتلك الأدوات الكافية لحماية بياناتها المرتبطة بهذه التقنيات، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للخصوصية والأمن الرقمي. يضاف إلى ذلك الخطر المتنامي لتقنيات “التزييف العميق” التي تجعل من الممكن إنتاج صور ومقاطع فيديو يصعب التمييز بينها وبين الحقيقة، وهو ما قد يُستغل في نشر الشائعات والتأثير على الرأي العام. وعلى المستوى الفردي، يتسبب الاستخدام المفرط للتكنولوجيا في الإدمان الرقمي وتراجع مهارات التفكير النقدي والإبداعي، إضافة إلى آثار سلبية مباشرة على الصحة النفسية وجودة النوم.

هذه التحديات تفرض الحاجة إلى وعي ورقابة ذاتية، ومن أبرز الحلول المطروحة ما يعرف بالديجيتال ديتوكس أو الصيام الرقمي، أي تخصيص فترات زمنية منتظمة نبتعد فيها عن الشاشات ونعود لممارسة أنشطة حياتية طبيعية كالقراءة أو الرياضة أو قضاء الوقت مع العائلة. دراسة أُجريت مطلع هذا العام أظهرت أن 43 في المئة من المشاركين قلّلوا عمدًا من وقت استخدام الشاشات في الأشهر الستة الأخيرة، وأكثر من نصف جيل الألفية وجيل Z أكدوا أن هذه الخطوة حسّنت من مستويات القلق والتوتر لديهم. كما تشير أبحاث علمية إلى أن الإفراط في استخدام الهاتف الذكي يرتبط باضطرابات النوم وانخفاض الإنتاجية، خصوصًا لدى النساء والطلبة والعاطلين عن العمل، وهو ما يجعل الصيام الرقمي ضرورة صحية لا مجرد خيار ثانوي.

من الواضح إذن أن الذكاء الاصطناعي ليس صديقًا أو عدوًا مطلقًا، بل هو أداة تعتمد قيمتها على طريقة الاستخدام. المطلوب اليوم ليس رفض التقنية أو الانغماس فيها بلا حدود، بل بناء وعي جماعي يشمل الأفراد والمؤسسات والحكومات على حد سواء. يجب أن تُوضع ضوابط لحماية البيانات وتطوير مناهج تعليمية تعزز التفكير النقدي والإبداع، مع تشجيع الأفراد على ممارسة عادات صحية رقمية تحافظ على التوازن.

إن الذكاء الاصطناعي سيبقى قوة محركة لمستقبلنا، لكن أمامنا خياران: إما أن نتركه يسيطر على وعينا وحياتنا، أو أن نضع له حدودًا واضحة تجعله في خدمة الإنسان لا العكس. بين هذه المنافع والمخاطر يكمن الحل في الوعي والتوازن، فبقدر ما نحسن استثماره نستطيع أن نجني فوائده ونقلل من مخاطره، لنحافظ على إنسانيتنا في زمن الثورة الرقمية.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.