الدين الإسلامي يدعو إلى الإصلاح السياسي إلى جانب إصلاح علاقة الفرد بربه
إن وجود جهات انتهازية للنصوص الدينية لتحقيق مآربها، يجعلنا أكثر حذراً من أن تستغلها جهات أخرى لا تقل خطورة عنها تسعى إلى تحقيق مآربها من خلال تحييد الفهم للإسلام، ونصوص الشريعة.
إذ إن الادعاء بأن الدين الإسلامي لم يكن يوماً يدعو إلى الإصلاح السياسي، وإنما جاء لإصلاح علاقة الفرد بربه فحسب أمر فيه مخاطرة مجحفة، والحقيقة أن السياسة كغيرها من أبواب الحياة كالاقتصاد والتعليم والإعلام؛ كلها تدخل في المنظومة الإسلامية الشرعية، والتي طالما أثبتت فاعليتها رغم تجدد الأحداث وتغير الظروف… فما الذي طرأ جديداً؟
هل هو بروز ظاهرة التطرف والإرهاب التي كانت منذ العصر الأول متمثلة في الخوارج وأتباعهم إلى يومنا هذا؟ إن كان كذلك فقد ظهر نظيره بطريقة أشد في الأنظمة الغربية إبان الحربين العالميتين، أو ما عانته الشعوب من أنظمتها الاستعبادية إبان إدخال الشيوعية إليها، أو العنصرية التي عانى منها السود قبل عقود من الزمن؟ وما يزالوان.. أو.. أو..
إن توهم بعض غير المختصين أن التأخر والتفرق المجتمعي الموجود في الساحة اليوم هو بسبب الفهم الموروث لنصوص السياسية الشرعية الموروثة، يعد نتيجة العدوى التي وقعوا بها إبان الثورة الفرنسية، ولا يعلمون أن سبب التخلف والتفرق في أوروبا كان العودة إلى نصوص الدين المحرفة واتباع أنظمة رجال الدين الاستغلاليين، وليس سببه البعد عن الشريعة وتحييد نصوصها كما هو الحال في مجتمعاتنا الإسلامية اليوم، وهناك فارق في القياس، بل تضاد.
إن ظهور الفرق ذوات الاتجاه المتعصب في الإسلام وانتشارها في الساحة وتوسعها لم يكن بسبب الدعم الإسلامي أو القاعدة الشعبية -كما يظهر لدى بعض المثقفين والمطالبين بتجديد الخطاب الديني وتعديله-، وإنما كان سببه مصالح سياسية، ودعم اقتصادي من جهات مغرضة مستفيدة خارجية كانت أو داخلية، ترمي إلى إظهار الإسلام بالصورة الإقصائية، أو جهات أخرى تجني من تلك الأحداث أهدافا استراتيجية ومصالح شخصية أو حزبية.
ولهذا فإن ادعاء خوف بعض الناس على أولاده من ارتياد المساجد أو إطلاق اللحى أو الاختلاط بالمتدنين -على الرغم من عدم واقعيته- إلا أن زاعمه ربما يحتاج إلى أن يفهم الصورة الحقيقية لمدى المؤامرة الواقعة على الإسلام، وإن وقع ذلك من دعاة الثقافة والمعرفة، فذلك يكون أسوأ حالاً من العامة باعتبارهم قصروا في فهم الواقع وظلموا أنفسهم، وانطلت عليهم الخدعة بطريقة لا تتوافق وادعاءات مستوياتهم الثقافية والمعرفية واطلاعهم على مجريات الأحداث العالمية، وينأى القارئ عن الحكم بتعمدهم وانسحابهم على مصالح شخصية أو مادية.
إن قصور الفهم للواقع واتجاهاته المختلفة، وما تتخذه أي جهة رسمية أو غير رسمية يوقع مدعي الثقافة في تناقضات يقفون عندها على غير تفسير أو فهم منطقي، ليروا أن بعض الجهات والدول مع محاربتها للتطرف الديني المزعوم على الإسلام، فإنهم يدعمونه بشكل خفي ومتواصل، ويتساهلون في التعامل معه، ويسمحون له بتمرير سياساته، في الوقت الذين يعلنون الحرب عليه في كل مكان، الأمر الذي يجب أن يدفع أولئك المثقفين إلى إعادة النظر والقراءة الصحيحة للوقائع والأحداث للوصول إلى فهم الصورة الحقيقية مع ضرورة الرجوع إلى العلماء الربانيين أصحاب الفهم والاطلاع والمتابعين لواقع الأحداث.
ولهذا نجد أن مخرجاتهم الفكرية متناقضة النتائج، وحائرة الحلول، مما يدفعهم إلى تبني بعض المنطلقات الحداثية لتفسير الخطاب الديني والقرآني وفهمه.
ومن هنا لا بد من معرفة الهدف المنشود… هل هو تجديد لفهم النصوص الشرعية، أم إعادة تفهيم المستجدين على قراءة تلك النصوص؟!