ولد في بلدة روخاس التابعة لمحافظة بيونس آيرس في عام 1911. نال الدكتوراه بالفيزياء الرياضية، ليهجر من بعد ذلك العلوم بصورة نهائية، غير أن دراسته تلك انطبعت على كتابته، بقدر ما يكتب، وهو الروائي الكبير، فهو يضع معادلات وإشكاليات، وكأنه أستاذ فيزياء يختبر الحرف بجوار الحرف، ويخلق الشخصيات، مستفيداً من خيال خصب، منحته إياه دراسته الطويلة بالعلوم. كتب روايات، منها «النفق» عام 1948، و«أبطال وقبور» عام 1961، و«أبدون» عام 1967. له آراؤه في الحياة والأدب والوجود واللغة، كما الفلسفة والمعارف والتربية، وفيما يشبه المذكرات أجراها معه كارلوس كاتانيا، ألّف كتاباً عنه بعنوان: (أرنستو ساباتو بين الحرف والدم)، تضمن مجموعة حوارات مهمة، لم تخلُ من السياسة، وتشعب في العلاقة بين الشخصيات الروائية، والإنسان المستقبل لها، كما عن الوجود وتحديات الحياة. سأله كارلوس: «إن الحديث عن الذوق ليس مهمة سهلة كما أرى، ولكي نبدأ، فإنني أطرح عليك سؤالاً، ما الكتب الخمسة التي ستحملها معك إلى جزيرة مقفرة؟» ثم أجاب ساباتو: «إني مبدئياً عدو تلك القوائم الشهيرة، توجد أعداد كبيرة جداً من الكتب القيمة، وما نودّ أن نقرأ، يتوقف على مزاجنا واستعدادنا، فكيف نقتصر على خمسة؟… يمكن أن يقوم جغرافي بنشر كتاب يضع عنواناً له: (الجبال العشرة الأكثر ارتفاعاً في العالم)، دون أن يشعر أحد بأي غرابة، إنما أفضل مئة قصيدة؟!، القضية هنا من أصعب المعضلات الفلسفية».بالنسبة إليه، فإن الاختيار بين الأعمال الفنية الموسيقية، بين تشايكوفيسكي وهايدن، أو الأدبية بين تولستوي وإلبير كامو، وقل مثل ذلك بالمسرحيات والآداب عموماً لن يكون سهلاً، باعتبار الذوق ليست مسألة عامة للجميع. كان السؤال عن الكتب الخمسة التي سيأخذها معه إلى الجزيرة المقفرة، فاتحة لجدل مطول حول الذوق، قد يختار الناقد ما أعجبه من القصيدة والشعر، لكن من دون استخدام «أفعل» التفضيل، تلك خلاصة رؤية ساباتو حول الاختيار بين الكتب والفنون.بقبّعته القروية، وشاله الأحمر، وبضع ذكريات من القرية، يعتبر ساباتو أن الفن جزء من حيوية الجسد، من القلق… من العذاب أحياناً، يتحدث عن نفسه: «أعتقد أنني أنتمي إلى سلالة تتلاشى… أؤمن بالمقاهي… أؤمن بالفن… أؤمن بكرامة الفرد… أؤمن بالحرية… منْ من الناس، وكم عدد أولئك الذين لا يزالون يؤمنون بهذه التفاهات، لقد حلّت الشتيمة محل الحوار». ثم يشرح الفن بالنسبة إليه، والفنان وموقعه من الجنون: «أعتقد أن الفنان كالمجنون، بينهما شيء مشترك وهو أن الواقع لا يروق لهما، أو أنهما يرفضانه، أو يعانيان منه إلى حدٍ لا يطاق، المجنون يذعن، وينهار بناؤه العقلي، ولا يبقى منه سوى أنقاض الواقع القديم، الذي يتحرك ضمنه بصورة مضعضعة، في حين يبقى الفنان قادراً على أن يبني من تلك الأجزاء واقعاً آخر، إن عملاً فنياً ما، هو كون أو نظام، وهذا بالتحديد ما لا يقدر المجنون على تحقيقه، إن الكاتب يمكنه أن يذهب إلى عالم المجانين ثم يعود، وهذا ما لا يحدث في حال الجنون الحقيقي».هذا جزء من بعض جنون ساباتو، من الذي لم يستمتع بنصٍ ثري له. لقد استطاع خلق شخصيات ثرية وغرائبية، كما في روايته الإشكالية الصغيرة (النفق)، وراح يمارس الكتابة منطلقاً من القرية والمقهى والشارع، مستمتعاً بالناس، ينظر إليهم مصطفين في أعماله، لم ينسَ القرية، بل أعادها ضمن بناء أدبي رفيع. هجر العلوم البحتة، لأنه يريد تمرّد اللغة، واستعصاء الأدب… كره النتائج الواحدة، أراد للفن أن يكون محركاً له، اختار التأويلات المتعددة على الحقيقة الواحدة. ذلك هو الكاتب العبقري، وربما المجنون!