يثير التعليم المهني جدلاً لدى الرأي العام حول أهميته بالنسبة لبعض طلاب المدارس من حيث الإقبال عليه والانتقال إلى سوق العمل، وبخاصة بعد أن تنبهت وزارة التربية اخيرا إلى التعليم المهني للارتقاء به والنهوض بمختلف مجالاته التعليمية حيث قررت تقليص تخصصات التعليم الثانوي الصناعي إلى عشرة، وتحويل باقي التخصصات إلى مؤسسة التدريب المهني وتحويل الاقتصاد المنزلي الى التعليم الثانوي التطبيقي، وتحويل الطلبة الضعاف الذين تقل علاماتهم عن 50 بالمائة للتلمذة المهنية، ومن 50-59 الى التعليم الثانوي التطبيقي، ومنع تحويل أي طالب من التطبيقي الى اي فرع آخر.
وهناك اجراءات تتعلق بقبول خريجي التعليم المهني التطبيقي في كليات المجتمع دون حصولهم على شهادة الدراسة الثانوية ، وتصنيف الطلبة الراغبين بالالتحاق في التعليم المهني الثانوي الى راغبين في الالتحاق بالجامعات، ومن ثم الانتقال إلى سوق العمل.
ويرى الأمين العام السابق لوزارتي التربية والتعليم والشباب الدكتور ذوقان عبيدات ان الأهالي والطلاب لا يرغبون – في معظمهم- الالتحاق بالتعليم المهني ويوجد عزوف عن هذا التخصص، مبيناً ان وزارة التربية فشلت في تنفيذ خططها منذ الثمانينيات في تحويل 50 بالمئة من طلبة ما بعد الصف العاشر الى التعليم المهني، ولم تستطع حتى الآن من تخفيض نصف او ربع هذه النسبة.
ويؤكد وجود تسرب واضح من المدارس قبل الصف العاشر أحياناً وبعد هذا الصف، بسبب الرعب من تحويلهم الى التعليم المهني أو لأسباب أُخرى، مبيناً ان فارقاً كبيراً بين عدد خريجي الصف العاشر وعدد الملتحقين بالتعليم الثانوي والمهني على سبيل المثال في لواء بني كنانة، وان هناك احساساً -غير علمي- بأن التخصصات المهنية لا تلزم المؤسسات المهنية بتوظيف الخريجين، بسبب نقص مهاراتهم او بسبب عدم ملاءمة تخصصاتهم لسوق العمل، وهذا يفسر قرار وزارة التربية بإلغاء الكثير من التخصصات مثل المعلوماتية والاقتصاد والمنزلي وتحويل عشرات التخصصات الهندسية الى التلمذة.
ويقول إن الأهالي والطلاب يتهربون من التعليم المهني بوسائل شتى، من بينها نقل أبنائهم الى مدارس خاصة كانت متاحة لهم قبل قرارات الوزارة الأخيرة، وانه رغم جهود المسؤولين في توزيع المدارس المهنية والمراكز المهنية على جغرافية المملكة، إلا أن النقص ما زال واسعاً حيث يضطر الطلبة الصغار إلى السفر بعيداً حيث يقع المركز أو المدرسة .
ويشير الى اخطاء استراتيجية وتربوية وتكتيكية في موضوع التعليم المهني منها أن تصنيف الطلبة حسب قدراتهم التحصيلية في الصف العاشر تصنيف غير علمي، إذ أن طلاب علم النفس – غير المحترفين- يعرفون ان بعض القدرات العقلية للطلبة تنمو بعد هذه السن، وان الحكم المبكر على قدراتهم ليس سليماً، فلماذا لا نتيح لهؤلاء فرصة تغيير تخصصهم وان القدرات التحصيلية – وهي غير القدرات العقلية- تتأثر بعوامل بيئية اجتماعية ،ثقافية، اقتصادية وعلينا ان لا نحكم على الطلاب بسبب بيئاتهم فكما عملنا مكرمة لخريجي التوجيهي علينا ان نراعي هؤلاء.
ويتساءل عبيدات عن الجدوى فيما لو نجحت الوزارة في برامجها الجديدة أن تخرج طلاباً مهنيين في الريف حيث تتضاءل فرص العمل، وخاصة أن معظم المصانع وسوق العمل موجودة في المراكز؟ وكيف ننهج نهجاً تربوياً مناقضاً في ظل الانفتاح الاقتصادي والسوق الحر ومفاهيم العرض والطلب والحداثة؟ ففي السوق الحر يكون التعليم حراً، ويكيف العاملون مهاراتهم وفق مهارات السوق، وقد يغير العاملون مهاراتهم عدة مرات لتتوائم وسوق العمل ، فكيف تفرض الوزارة عليهم مهارات معينة، هذا ان نجحت في تزويدهم بأي مهارات متقدمة؟ ويلفت الى ان سوق العمل يتغير بسرعة وستختفي تخصصات عديدة وتظهر أُخرى بسرعة لا يمكن لأي مؤسسة حتى عالمية من اللحاق بالتغير، فكيف بتخصصات وزارة التربية .
ويقول مدير ادارة الانتاج والتعليم المهني في وزارة التربية المهندس نواف الدغمي، أن الوزارة قامت بإعادة هيكلة تخصصات العمل المهني في النوع الصناعي حيث تم تخفيض 25 تخصصاً الى 10 تخصصات فعالة تتواءم مع التطور التكنولوجي في سوق العمل .
ويضيف أبرمت الوزارة مع وزارة العمل ومؤسسة التدريب اتفاقية لإستقبال طلبة في التعليم الثانوي الشامل المهني والتعليم الثانوي التطبيقي، حيث يركز الاخير على المهارات العملية أكثر من النظرية ويؤهل الطالب لإمكاناته الذهنية والعملية وتأهيله بشهادة تخفف من البطالة وأعداد غير الناجحين .
ويشير الى ان الوزارة اتاحت فرصة للطلاب للإلتحاق بمؤسسة التدريب المهني 6 آلاف طالب خلال 3 سنوات اي 2000 طالب كل سنة يخضع فيها الطالب للتدريب مدة سنتين ويمنح بعدها شهادة تسمى الكفاءة المدرسية، التي تؤهله للدخول الى الدبلوم الفني دون أن يتقدم للتوجيهي .
ويبين الدغمي انه سيتم فتح المدارس المهنية للطلاب، اضافة للتنسيق مع المصانع المجاورة للمدارس بهدف تعزيز العملية التدريبية، مبيناً ان الوزارة اعدت مسارين للتعليم المهني، الأول المسار الجامعي الذي يقوم على دراسة مواد علمية تتناسب مع نوع التخصصات ،والثاني مسار سوق العمل من الثانوية العامة تكون فيه المواد مخففة وتقدم الطالب الى كليات المجتمع.
أحمد سعادة ولي امر طالب يشجع اتجاه ابنه الى التعليم المنهي وخاصة في هذه الفترة التي تقل فيها الوظائف، الى جانب معاناة الخريجين من أصحاب التخصصات العلمية والادبية من البطالة وعدم وجود فرص عمل لهم ،لافتا إلى ان المهن الحرة تخلق فرص عمل متعددة امام الشباب لأنها تظهر قدراتهم ومهاراتهم في العمل.
واعتبر ان هذه الخطوة متاخرة وكان من الأفضل أن تبدأ منذ سنوات لان الكثير من الدول سبقتنا في مجال الحرف اليدوية والصناعات الخفيفة.
ويفضل معتصم أحمد ان يكتسب مهارة فنية وحرفة تساعدة على العمل والدخول الى سوق العمل بسهولة،لأن الانسان اليوم لا يهمه سوى الاستقرار المادي والنفسي. (بترا)