تبدو “البقرة” واحدة من الحيوانات التى حظيت باهتمام كبير فى الأديان والحضارات القديمة، حتى الأديان الإبراهيمية لها قداسة، فهى اسم أكبر سور القرآن الكريم، وظهورها علامة كبرى من علامات نهاية العالم عند اليهود.
ولم تحظ البقرة فقط بقداسة واهتمام، بل وصل الأمر قديما وحتى الآن إلى حد عباداتها، وعبادة البقرة من العبادات الأولى التي وجدت فى مصر ثم عمَّت بعد ذلك العالم القديم، بل لا تزال تُعْبَدُ في الهند كما أن اسمها لا يزال حيًّا بين الفلاحين في شهور هاتور، إذ إن هذا هو اسمها، وكذلك عبادة العجل فإننا نعرف العجل أبيس ولا يزال العجل محترمًا في الهند وهو يطلق في المدن فلا يجوز لأحد أن ينهره، وعلى كل إنسان أن يقدم له الطعام ويتمسح به للتبرك، وقد يرقد العجل في أحد الشوارع ويعطل المرور ومع ذلك لا يجوز لأحد أن يضربه وينهضه، وقد اخترع المصريون عبادة البقر والعجل ونسوها، ولكن الهند لم تنسها لأن طبقة البراهمة تحتفظ بتقاليدها التي ورثتها قبل 3 آلاف سنة.
الحضارة الفرعونية
وكان يرمز للإله حتحور بالبقرة، وهى تعتبر إلهة السماء، والحب، والجمال، والأمومة، والسعادة، والموسيقى، والخصوبة، سميت قديما باسم بات ووجدت على لوحة نارمر.
وهى معبودة مصرية قديمة، جعلها أصحابها تارة فى صورة بقرة، وتارة فى صورة امرأة لها أذنا بقرة أو على رأسها قرنان، كانت عندهم رمز الأمومة البارة، وفى اسمها حتحور أى بيت حور أو ملاذ حور ما يشير إلى ذلك، فهى التى أوت اليتيم حورس ابن إيزيس وأرضعته وحمته، فغدت بذلك أمًا له وللطبيعة كافة، باعتبارها رمزًا إلى السماء، ثم جعلوها راعية للموتى وأسكنوا روحها ما يزرع عند قبورهم من شجر الجميز، ثم أبرزوها من الأغصان جسدًا يرسل الفىء ويسقى الظمآنين ممن رقدوا فى حظائر الموت، وتصوروا أنها تجوب أحيانا الصحراء غرب النيل فى هيئة اللبؤة لحماية القبور هناك، ما زال اسمها حيًا فى اسم ثالث شهور السنة القبطية (هاتور) وتدخل فى التقويم المصرى الحديث.
وربما ظهر ذلك مع الإلهة هى الأنثى فى بعض الثقافات، وذلك لارتباط الإلهات بالأرض والأمومة والحب والأسرة.
الحضارة الهندية
البقرة منذ القدم هى أحد الحيوانات المقدسة لدى الهنود، ويرجع ذلك لتقديسها فى الديانة الهندوسية القديمة، إذ تختلف الطوائف الهندوسية في نظرتها لحيوان البقرة، ثمة طوائف تكن لها الاحترام والتبجيل، وأخرى تقدس وتأله، ووفقًا لوجهة نظر الطوائف المبجلة للبقر فإنها لا تعبدها؛ بل ترى أن كل الحيوانات مقدسة علي وجه العموم، والبقرة بالأخص لأنها رمز للأرض المغذِّية المعطية دائمًا، البقرة تمثل لديهم الحياة نظرًا لسخائها الشديد، فلا تأخذ سوى الماء والعشب والحبوب، بينما تمنح البشر الحليب، والقشدة، واللبن، والجبن، والزبدة، وأيضًا السمن، وأيضًا فإن البقرة إذا ذبحت تمنح اللحم والعظم والجلد وكل شيء فيها يستخدم بطريقة أو بأخرى.
أما الطوائف الأخرى المتشددة فهي تعبد البقر حقًا، بل إن هناك جماعات مسلحة تترصد من يذبح البقر ويأكله، لتقتله وتأخذ البقر من عائلته، عرفت هذه الجماعات باسم «حماة البقر»، يطوفون البلاد ويأخذون البقر من المسلمين والمسيحيين عنوة ليحافظوا على حياة البقر، ورغم أن الحكومة الهندية تحاول السيطرة على هذه الجماعات، إلا أنها لا تزال تعمل في وضح النهار، ويصور بعضها مشاهد ضرب البقر وسرقتها، ويبثون على «يوتيوب»، قائلين: «ديننا أعطانا الحق في وقف ذبح أمنا».
العرب
العرب (وخاصة البادية) على العكس من المصريين والهنود، يحتقرون البقرة، وكثير منهم لا يأكل لحمها حتى الآن ولا يطيق رائحته، وفي القديم لا يشربون حتى حليبها (والسبب البيئة) فإن البقرة لا تحتمل العيش في صحراء العرب، لا تستطيع السير في الرمال والجبال، ولا العيش في حر الصحراء اللاهب الجاف، كما أنها شرهة في الأكل, ماترفع رأسها منه، ولا تصبر على الجوع والعطش أبداً، لهذه الأسباب المقصورة على البيئة فقط كره كثير من العرب البقرة بشكل عجيب، والبدو لا يعتبرونها من الحلال، وهم معذورون لأنهم إن اقتنوها -آنذاك- خسروها، فما في بيئتهم يقضي على البقر قضاءً مبرحاً، حين كانوا يعيشون في صحراء جرداء ( لا نبات فيها) و( لا ماء وافراً في أرضها القاحلة).. هذا كله معروف ومقبول واستعبادهم لها آنذاك له مبرر، لكن الغريب أن كراهية لحوم الأبقار لا تزال موجودة لدى كثير من العرب.