حاولت السلطات الروسية إبقاء أمر “الانفجار النووي الغامض” في طي الكتمان، واكتفت بإعلان وقوع حادث عقب انفجار غامض، وذلك إثر تجربة محرك صاروخي بالقرب من مدينة سيفيرودفينسك على طول ساحل القطب الشمالي الروسي.
إخفاء ما حدث
كانت البداية الخميس الماضي. وحسب البيان الرسمي الصادر عن السلطات الروسية، أسفر الحادث عن مقتل شخصين، وأدى الانفجار إلى ارتفاع وجيز في مستوى النشاط الإشعاعي. ولم يتم الكشف عن أي تفاصيل أخرى، حسب تقرير على موقع “مصراوي”.
في تلك الأثناء حاول إيجور أورلوف، حاكم إقليم أرخانغلسك، حيث تقع سيفيرودفينسك، تهدئة المواطنين من خلال التشديد على أن مستويات الإشعاع في المنطقة كانت طبيعية.
إلا أن الهدوء لم يستمر طويلاً؛ فبعد فترة وجيزة بدأ مستخدمو تطبيق تليجرام للمحادثات النصية في تبادل صور على مواقع التواصل الاجتماعي لأول المستجيبين للانفجار، وما يحدث في موقع الحادث. وظهر في الصور أشخاص يرتدون بدلات تقيهم من خطر الإشعاع، وحضرت سيارات الإسعاف في محيط الانفجار، علاوة على طائرات هليكوبتر لنقل من يعاني إصابات خطيرة إلى المستشفيات فورًا.
وبحلول مساء الجمعة أسرع سكان المقاطعة لشراء أقراص اليود، أو أي أدوية بها يود؛ وذلك للوقاية من سرطانات الغدة التي تنتج من التسرب الإشعاعي.
لم تعترف روسيا فورًا بأن الانفجار ينطوي على طابع نووي؛ بل على العكس أكد كل من الجيش الروسي ومتحدث الحكومة الإقليمية الخميس الماضي أنه “لم يحصل تلوث إشعاعي”.
بداية الاعتراف
في الوقت ذاته أعلنت بلدية مدينة سيفيرودفينسك، التي تبعد نحو 30 كلم عن القاعدة، ويعيش فيها 190 ألف شخص، على موقعها على الإنترنت أن أجهزة الاستشعار لديها “سجلت ارتفاعًا للنشاط الإشعاعي لمدة قصيرة”.
وصرح فالنتين ماغوميدوف، المسؤول في الدفاع المدني المحلي، إلى وكالة أنباء تاس بأن مستوى الإشعاع ارتفع إلى 0.2 ميكروسيفيرت في الساعة لمدة ثلاثين دقيقة، مشيرًا إلى أن الحد الأقصى المقبول للتعرض للنشاط الإشعاعي هو 0.6 ميكروسيفيرت في الساعة.
إعلان صريح
إلا أن التعتيم الإعلامي لم يستمر فترة طويلة؛ ففي يوم السبت الماضي أقرت موسكو بأن الانفجار الذي وقع في قاعدة نيونوكسا المتخصصة في اختبار الصواريخ للأسطول الروسي كان نوويًّا، وذكرت في بيان رسمي أن حصيلة قتلاه وصلت إلى خمسة أشخاص، دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.
وأفادت وكالة تاس الروسية للأنباء الثلاثاء بارتفاع مستويات الإشعاع في مدينة سيفيرودفينسك بما يصل إلى 16 مرة بعد الحادث، فيما قالت منظمة السلام الأخضر (جرينبيس) إن مستويات الإشعاع ارتفعت نحو 20 مرة.
غرق الموظفين في البحر
وقالت الوكالة الدولية الروسية للطاقة الذرية في بيان إنه “تم اختبار محرك صاروخ، يعمل بالوقود السائل. وبعد الانتهاء من الاختبار اشتعل الوقود الصاروخي، ووقع الانفجار. بعد ذلك سقط العديد من موظفي الوكالة في البحر”. مشيرة إلى أن موظفيها كانوا يقدمون الدعم الهندسي والتقني المتعلق بالوقود المستخدم في محرك الصواريخ.
ومع ذلك لم توضح “روساتوم” ماهية الصاروخ، أو الخطأ الذي حدث.
انفجار استثنائي
وترى مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الإشارة إلى انفجار ينطوي على طابع نووي كان مفاجئًا ولافتًا للنظر، خاصة أن اختبارات محركات الصواريخ لا يكون فيها أي إشعاعات نووية.
ووجدت المجلة أن الأمر قد يكون منطقيًّا في استثناء واحد فقط، هو أن يكون للأمر علاقة بإعلان روسيا العام الماضي أنها اختبرت صاروخ كروز مدعومًا بمفاعل نووي، يطلق عليه اسم بوريفيستنيك، أطلق عليه حلف شمال الأطلسي “الناتو” والولايات المتحدة اسم “SSC-X-9 Skyfall” (سقوط السماء). وهو ما يتفق مع ترجيح مسؤول أمريكي بأن يكون الانفجار ناجمًا عن صاروخ سكاي فال.
قصة السفينة “سيريبريانكا”
وخلال محاولاتها كشف ملابسات الواقعة وجدت فورين بوليسي أن سفينة شحن كبيرة، تحمل اسم “سيريبريانكا”، وصفتها بأنها “غير عادية”، كانت قرب موقع الانفجار. وجرى استخدام السفينة كوحدة دفع نووية في إطار جهود لاستعادة صاروخ كروز، يعمل بالطاقة النووية، وفشل أثناء اختباره؛ وسقط في المحيط الهادئ عام 2018.
صاروخ لا يقهر
وجذب صاروخ بوريفيستنيك أو “سكاي فال” أنظار العالم قبل الانفجار الأخير بأشهر عدة. وبدأ الأمر عندما نشرت وكالة روسيا اليوم الإخبارية تقريرًا في إبريل الماضي، وصفته فيه بـ”الصاروخ الذي لا يُقهر”.