أمور الدين أربعة وهي :-
صحة العقــد.
وصدق القصد.
والوفاء بالعهد.
واجتناب الحد.
صحة العقد :- وهي معرفة العقائد التوحيدية بما لها وما عليها وهي الإلهيات والنبويات والسمعيات .
فالإلهيات هي معرفة الواجب في حق الله سبحانه وتعالي إجمالاً وتفصيلاً ومعرفة المستحيل في حق الله سبحانه وتعالي إجمالاً وتفصيلاً ومعرفة الجائز في حق الله سبحانه وتعالي وما يتبع ذلك من الأدلة الإجمالية والتفصيلية .
والمراد بالنبويات هي معرفة الواجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام ومعرفة المستحيل في حقهم عليهم الصلاة والسلام ومعرفة الجائز في حقهم عليهم الصلاة والسلام وما يتبع ذلك من الأدلة .
والمراد بالسمعيات هي أمور الآخرة وما يتعلق بها من بعثٍ ونشرٍ وحشرٍ وصراطٍ وميزان وحساب وعقاب وثواب وجنة ونار وما شاكل ذلك من مسئولية الآخرة التي وعد الله بها عباده علي ألسنة المرسلين صلي الله عليهم أجمعين . و وعده صادقٌ لا يتخلف .
صدق القصد :- وهو العمل بالإخلاص مع النية لقوله صلي الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى .. )
والإخلاص لنا فيه تعرفان هو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه ملك فيكتبه و لا شيطان فيفسده , وقيل الإخلاص هو ما لا يكتبه الملكان و لا يفسده الشيطان و لا يطلع عليه إنسان . و درجات الإخلاص ثلاثة عليا ووسطى و دنيا . فالدرجة العليا وهى أن يعمل العبد العمل مخلصاً فيه لله سبحانه وتعالي امتثالاً لأمره و قياماً بحق العبودية . والعبــودية هي :- ترك الاختيار و عدم منازعة الأقدار و الثقة بالفاعل المختار ، وقيل ترك مراد العبد لمراد اللهسبحانه وتعالي ولبعض العارفين هي إنصراف العبد من الخلق الي الحق ، بخلاف الرسالة وهي إنصراف العبد من الحق الي الخلق مع إرتباط قلوبهم معه يقظةًومناماً لقوله صلي الله عليه واله وسلم( نحن معاشر الأنبياء تنام عيونناولا تنام قلوبنا ) .
و الدرجة الوسطى و هي إن يعمل العبد العمل مخلصاً فيه لله سبحانه وتعالي طمعاً في ثوابه و هروباً من عقابه . وهذه الدرجة قد مدح الله أهلها بقوله :- تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً و ممّا رزقنهم ينفقون .
والدرجة الدنيا و هي أن يعمل العبد العمل مخلصاً فيه لله سبحانه وتعالي طمعاً في خير الدنيا و السلام من شرورها .
ولقد علق العلماء علي قوله صلي الله عليه وسلم : ( لا يجوز لإمريءٍ أن يقدم علي شئٍ حتى يعلم حكم الله فيه ) . فقالوا : إن علم لا بد أن يبني عمله علي أصلين , الأصل الأول الإخلاص فيه لله سبحانه وتعالي . والأصل الثاني متابعة الرسول صلي الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وإقراراته .
فإن أخلص ولم يتابع ( كأن يصلي الظهر ثلاث ركعات متعمداً ذلك) كــــــان العمل باطلاً اتفاقا لقوله سبحانه وتعالي : ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا سبحانه وتعالي وقـــــوله صلي الله عليه وسلم :- ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ ) .
وإن تابع ولم يخلص قيل أن العمل باطل , والحق أنه يقع صحيحاً مجرداً عن الثواب , لأن الصحة متوقفة علي إستيفاء الشروط والأركان , والقبول متوقف علي قصد الإمتثال , وأن العلماء قسموا العبــــــــارة علي قسمين فقالوا أن العمل إذا كانت النية شرط ٌ في صحته فتقوم مقام الإمتثال كالصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة والغسل والوضوء وما شاكلها . وأما إذا كان العمل ليس النية شرط ٌ في صحتـــه كرد المظـــالم إلي أهلها وأداء الديون والودائع وإزالة النجاسة وإماطة الأذى عن الطريـــــق فمثل هذه الأعمال كلها فالنية لا تكن شرط صحة فيها , وصاحبها لا يثــاب إلا إذا قصد الإمتثال .
الوفاء بالعهد :- هو إمتثال ما أمر الله سبحانه وتعالي به وهو عبارة عن فعل الواجبات كالصلاة والزكاة و الصوم و الحج إن استطاع إليه سبيلا , و كل ما أمر الله به .
اجتناب الحد :- هو الوقوف عن ما نهي الله سبحانه وتعالي عنه من المحرمات و المكروهات لقوله صلي الله عليه وسلم واله ما نهيتكم عنه فانتهو و ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم .
و أيضا قوله صلي الله عليه وسلم ( أن الله سبحانه وتعالي قد فرض فرائض فلا تضيعوها و حدّ حدوداً فلا تعتدوها وحــرم أشيـــاء فلا تنــتهكوها و ســكت عن أشياء رحمةً بكم من غير نسيان فلا تبحثـوا عنها ) .
تعريف الدين
الدين في لغة العرب هو ما يتدين به سواءً كان صحيحا أو فاسداً قال الله سبحانه وتعالي إن الدين عند الله الإسلام و قال جلا شانه ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين .
و أما الدين في الاصطلاح فلنا فيه ثلاث تعاريف :-
الأول : الدين هو الإسلام و الإيمان و الإحسان , أي مجموع الثلاثـة هو الدين قال الشيخ ابن عاشر رحمه الله تعالى :
إن لم تكن تراه فانه يراك والدين ذي الثلاثة خذ اقوي عراك
وكما في الحديث الذي أورده النووي في أربعينه وهو الحديث الثاني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :- ( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلي الله عليه وسلم : إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه اثر السفر و لا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلي الله عليه واله وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه علي فخذيه و قال يا محمد اخبرني عن الإسلام فقال صلي الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة و تؤتي الزكاة و تصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال سيدنا عمر فعجبنا له يسأله و يصدقه ، قال فاخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله و ملائكته و كتبه و رسوله و اليوم الأخر و القدر خيره و شره قال صدقت قال فاخبرني عن الإحسان قال صلي الله عليه وسلم : الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك . قال فاخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل . قال فاخبرني عن أماراتها قال صلي الله عليه وسلم : أن تلد الأمة ربتها و أن تري الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ثم انطلق فلبثت ملياً , ثم قال صلي الله عليه وسلم : ياعمر أتدري من السائل ؟ قلت الله ورسوله أعلم قال e فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )
فالإسلام في لغة العرب هو مطلق الانقياد الظاهري . وفي الاصطلاح هو الانقياد الظاهري لقواعد الإسلام الخمسة و كل ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم واله : و علم من الدين بالضرورة مع القبول و الارتياح.
و قواعد الإسلام خمسة كما جاء في الحديث ( بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله و إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً ) .
و أما الإيمان في الاصطلاح هو حديث النفس و ازعانها و قبولها و ارتياحها التابع للاعتقاد الجازم علي المعتمد و قيل التابع للمعرفة .
وأما الإحسان فمراتبه اثنان هما :-
أن تعبد الله كأنك تراه , وهو مقام المشاهدة .
فإن لم تكن تراه فإنه يراك , وهو مقام المراقبة .
قال الشيخ الدرديري في الخريدة البهية :-
فكن مراقباً لله في الأحــــوال لـترتقي معــالم الكــمـال
وقـل بذل ٍ ربِّ لا تقطعــــنِي عنك بقاطعٍ ولا تحـــرمني
من سـرك الأبهى المزيل للعـمي وأختم بخيرٍ يا رحيم الرحما
وأما التعريف الثاني هو :-
إن الدين هو ما شرعه الله سبحانه وتعالي علي لسان نبيه من الأحكام . فيشمل المعتقدات والعبادات والمعاملات .
المعتقدات :- هي الإلهيات والنبويات والسمعيات .
فالإلهيات هي الواجب في حق الله سبحانه وتعالي والمستحيل والجائز , وما يتبع ذلك من الأدلة الإجمالية والتفصيلية .
والنبويات هي الواجب في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام والمستحيل والجائز و ما يتبع ذلك من الأدلة .
وأما السمعيات فهي أمور الآخرة وما يتعلق بها كما تقدم بيانه .
وأما العبادات فهي كالصلاة بما لها وما عليها والزكاة بما لها وما عليها والصوم بما له وما عليه والحج بما له وما عليه .
وأما المعاملات فهي كالبيع والشراء والأقضية والشهادات والدماء والحدود وما شاكل ذلك , وجري الخلاف في النكاح هل هو من العبادات أم من المعاملات , فمن نظر إلي كونه منبع النوع الإنساني وبه تحفظ الأنساب وتـستـقيـم الأمــور ولشـــرفه أضـافــه للعبـادات وهو المعتمد .
ومن نظر إلي كونه لا يتألف إلا من شخصين أضافه للمعاملات .
وأما التعريف الثالث للدين :-
هو وضع إلهي سائغ لذوي العقول السليمة باختيارهم المحمود إلي ما هو خير لهم بالذات .
وقد ذكر هذا التعريف العلامة الأمير رحمه الله سحانه وتعالي ب في حاشيته علي شرح الشيخ عبد السلام بن الشيخ إبراهيم اللقاني علي جوهرة أبيه تغمدهم الله سبحانه وتعالي بواسع الرحمات .