عَرف البشر كيف يُطورون غذاءهم منذ القِدم، فمع استعمالهم النار للطهو، أصبح نوع الغذاء وطريقة طهيه وتقديمه مقياساً للحضارة التي وصل إليها الإنسان، إذ ينتمي الطبخ والغذاء لجميع الأعياد والمناسبات الدينية التي لازَمت المجتمع البشري.
اكتشفت بعض وصفات الأطعمة عن طريق الصُدفة، وبعضها الآخر استخدم في البداية كعلاج. نستعرض معاً في هذا التقرير بعضاً من أقدم الأطعمة التي قام بطهيها الإنسان:
الكحوليات
تُعد الكحوليات، مثل الخمر والنبيذ والجعة، من أقدم المشروبات التي صَنعها الإنسان وتناولها، إذ بَدأ صُنعها قبل الميلاد بحوالي عشرة آلاف سنة في الحضارة السومرية (العراق وإيران حالياً)، يَعتقد الباحثون أيضاً أنها سَبقت الخبز، إذ استخدمت فيما بعد لصُنع الخبز المُخمر.
كذلك اعتقد البابليون أن الكحوليات هدية من الآلهة لتعزيز سعادة الإنسان ورفاهيته على الأرض، وكان يَختص بصنعها النساء، وظَهرت أيضاً في كتابتهم، إذ ذكرت طريقة صُنعها وتحضيرها في ملحمة جلجامش الشهيرة عام 1800 قبل الميلاد، وتقريباً هي ذات الطريقة التي تُستخدم حديثاً.
عَرفها أيضاً الصينيون وأَتقنوا صُنعها قبل الميلاد بـ 7 آلاف عام، واعتبرها المصريون القدماء مُسكرة من قبل الإله العظيم “أوزوريس” نفسه، وكانت تستخدم أجراً مقابل العمل وتُشرب في ثلاث جُرعات يومياً، كذلك لعبت دوراً أساسياً في أسطورة شعبية، ولادة الإله “حتحور” وتظهر في نقوش تعود إلى 2050 قبل الميلاد.
مهلبية نوح
يَعتقد المُؤرخون أن مهلبية نوح أو (العاشورية – المهلبية التركية) هي أقدم حلوى صُنعت في التاريخ، إذ انتشرت في الموروث الشعبي التركي منذ القدم على أنها صُنعت من قِبل النبي نوح.
تَقول الأسطورة أن خلال الأيام الأخيرة على سفينة النجاة من الطوفان، بدأت المُؤن والمواد الغذائية تنفد؛ لذا وُضع المُتبقي من الغذاء، مثل الحبوب والبقول والفواكه المُجففة بكميات صغيرة، وطُهيت جميعاً معاً في قدر واحد.
تُقدم مهلبية نوح إلى الآن في تركيا بالعاشر من محرم وهو يوم عاشوراء، الذي يُحتفل فيه بمناسبات دينية عديدة، إحداها نجاة النبي إبراهيم من النار، وفرار بني إسرائيل والنبي موسى من فرعون، وهبوط سفينة النبي نوح على اليابسة وبداية حياة جديدة على الأرض.
تَنُص العادات التركية على تسليم أطباق من هذه الحلوى اللذيذة إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لتكون بادرة صداقة وسلام نحو الجميع، طُورت الوصفة أيضاً، لكنها مازالت تَحتفظ بمكوناتها الأساسية من الحبوب الكاملة، مثل القمح أو الشعير، والمشمش والزبيب والتين، والصنوبر والجوز والبندق والحمص، أيضاً يُضيف بعضهم عصير الليمون والبرتقال أو ماء الورد.
كعكة لينزر
اكتسبت مدينة لينزر في النمسا شهرةً كبيرة، إذ يعتقد الباحثون أن أقدم كعكة مخبوزة تنتمي لها، فكُتبت الوصفة في أحد أقدم كتب الطبخ في التاريخ، الذي وُجد في دير نمساوي عام 1653، ثم انتقلت الوصفة إلى أميركا مع مهاجر نمساوي يعمل خبازاً، ويُدعى فرانز هولزبرج عام 1856.
وصفة لينزر تُعرف بأنها تحتوي على الزبدة واللوز وقشر الليمون والقرفة، وبدأت إضافة البندق خلال نهاية القرن الـ 19، استبدل التوت الأسود بالمربى، وتوضع طبقة كبيرة منه على غرار طريقة خَبزالفطيرة، ثم يُغطى السطح بشبكة من العجين، تورتة لينزر هي واحدة من الحلوى التقليدية في أعياد الميلاد، ويحبها الجميع كباراً وصغاراً مع كوب من الحليب الساخن.
الكشكية
مِثلما عَرف الإنسان الخمر مُنذ القدم، عَرف ما َيتبعه من آثار الإفراط في شُربه، وحاول التخلص من أعراضه، مثل الغثيان والصداع وعدم الاتزان، وكانت أولى ابتكاراته منذ ألف عام هي الكشكية.
طُبخت الكشكية في القرن العاشر في العراق، إذ ظهرت وصفتها في كتاب “الطبيخ” لابن سيار الوراق، الذي يَضم وصفات عديدة من المطبخ الشرقي.
وُصِفت الكشكية في كتابه بأنها تزيل أَثر الصداع الناتج من شرب الكحول، وتتكون من اللحوم المطبوخة مع الخضار والتوابل، ثم يُضاف الكشك الذي يتكون من اللبن المُخمر والحليب ومصل اللبن، وهو مشهور عادةً في المطابخ الإيرانية والتركية والعربية ودول البلقان أيضاً.
تَتميز الكشكية بخصائصها الباردة، فهي سهلة الهضم، وقوية الطعم ومُغذية، لذا هي تساعد في التخفيف من آثار الإفراط في تناول الكحول، فيعاني الناس عادة من حرارة زائدة في الرأس والمعدة.
ولا تزال الكشكية تُطهى إلى الآن بالطريقة والتوابل نفسها، وهي الكزبرة والكمون والليمون.
الموخيتو
ظَهر مشروب الموخيتو أو الموهيتو أولاً على يد السير فرانسيس ديريك عام 1588، والذي كان بحاراً، يسافر هو وابن عمه ريتشارد ليكتشفا العالم.
اختلف التاريخ حول أي واحد منهما اخترع شراباً أسماه “Draque” أو “التنين”، الذي كان لقباً لأحد أعداء فرانسيس.
يَتكون الشراب من السكر والزنجبيل والليمون والنعناع الكوبي، أي من المكونات التي يمكن الحصول عليها بسهولة في رحلاتهم، وهي تُماثل مكونات شراب الموخيتو المعروف الآن، استُخدم الشراب دواءً لعلاج البحارة الذين يَتأثربعضهم بالبيئة الاستوائية.
اختُرع الشراب، وهم قرب مدينة هافانا الكوبية، ومازال المشروب يُستخدم من قبل المستوطنين في منطقة البحر الكاريبي على أنه مشروب منعش.
أم علي
ظهرت حلوى أم علي عام 1257، خلال حكم المماليك لمصر، فقد تزوجت شجرة الدر من عز الدين أيبك بعد وفاة زوجها الملك الصالح؛ لرفض مماليك الشام أن تَحكم امرأة، وأصبح أيبك حاكماً.
بعد فترة، تزوج أيبك من “أم علي”، فانتقمت منه شجرة الدر وقتلته.
دَبرت “أم علي” خطة لقتل شجرة الدر مع ابنها ذي الـ15 عاماً، المنصور علي، وقتلت شجرة الدر ضرباً بالقباقيب، واحتفالاً بالمناسبة، أمرت بصنع حلوى جديدة ولذيذة، وتوزيعها على الجميع.
أيضاً أمرت أم علي بوضع العملة الذهبية لشجرة الدر في كل وعاء حلوى، ووزعتها على الشعب، فَرِح الجميع بالحلوى اللذيذة والذهب ودعوا بالسعادة والعمر المديد للسلطان الجديد، وأمه “أم علي”، وسُميت الحلوى باسمها.
تتكون “أم علي” من رقائق الخبز مع الحليب والعسل والمكسرات وجوزالهند، ويضاف لها القشدة وبعض البهارات مثل القرفة ولا تزال إلى الآن، تُعَد بالطريقة ذاتها.
المرق
عُرِف المرق أولاً عام 4644 قبل الميلاد، من قبل الحضارة الآشورية، وهي حالياً بلاد سوريا والعراق، إذ تناولوا الحساء المصنوع من لحم الضأن، وعرق السوس والخضراوات والبصل والثوم والبهارات، وظهر في لوحات بالكتابة المسمارية.