الحرب البيولوجية مصطلح نسمعه بين الحين والآخر، وربما بدأ بالانتشار بشكل أوسع بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر وزيادة عدد الإصابات بالجمرة الخبيثة أو الأنثراكس وهي عدوى بكتيرية حادة. ويمكن إنتاج جراثيم الجمرة الخبيثة في المختبرات كجزء من حرب بيولوجية تخوضها بعض الدول في الخفاء.
الحرب البيولوجية التي تعتمد على الفيروسات والطفيليات والبكتيريا والحشرات كأسلحة ليست أمرًا جديدًا، فهي موجودة منذ زمن الرومان والإغريق كإحدى التكتيكات العسكرية.
لا بد وأنك قد جربت لسعة النحل من قبل، وهو ما يجعلك تتخيل ما بوسع هذه الحشرة الصغيرة أن تفعله. فكانت فيالق الرومان تستخدم النحل كسلاح، حيث كانت تقذفه في المناجيق على أسوار الأعداء. وبالتالي يصابون بالرعب، ليصبحوا غير قادرين على القتال، وحينها يصبحون هدفًا سهلًا للمدفعية الرومانية والرماة. وكذلك كان الرمان يقومون بوضع النحل في أواني طينية وتثبيتها في سفن الأعداء؛ الأمر الذي قد يجبر بعضهم على إلقاء أنفسهم في البحر.
لكن الرومان أيضًا ذاقوا طعم المر من أسلحتهم، حين حاولوا اقتحام إحدى المدن اليونانية، ليلقي الجنود اليونانيون مئات من النحل عليهم. أما بعض القرى التركية فقد استخدمت العسل كسلاح ضد الغزو الروماني واليوناني، حيث كان يتم وضع العسل السام في خلايا يقوم جنود العدو بتذوقها وبالتالي إصابتهم بالقيء والتسمم، وقد أدى ذلك لموت الآلاف منهم.
وفي واقعة أخرى كان الرومان على أهبة الاستعداد لاقتحام منطقة طرابزون في تركيا، فما كان من السكان إلا تجهيز العسل والذي يكون سامًا في أوقات معينة من السنة، وقاموا بوضعه في خلايا في الشوارع. فوقع جنود الرومان في الفخ وأكلوا العسل، وأصبحوا هدفًا للمقاتلين.
صدق أو لا تصدق أن استخدام الحشرات كأسلحة يعود لألفي عام، حين وضع الإمبراطور الروماني سيبتيموس سيفيروس السيطرة على بلاد ما بين النهرين نصب عينيه. وقد اصطحب معه جيشًا بعشرات الآلاف، لكن قلعة الحضر في العراق كانت تقف سدًا في طريقه. ولدحر هؤلاء الرومان قام المتحصنون في القلعة بإلقاء قنابل العقارب الصحراوية السامة من فوق الأسوار!
لا غريب أن يتم استخدام الكلاب أو بعض الأجهزة التقنية للكشف عن الألغام الأرضية. فقد طور علماء البيولوجيا في كرواتيا سلالة جديدة من النحل البوليسي لديه القدرة على تحديد مكان الألغام الأرضية والعبوات الناسفة وبشكل أكبر من الكلاب البوليسية، وعلى بعد 4 كيلومترات. وقد تم تدريب هذا النحل لاستخدامه في الكشف عن الألغام الأرضية التي تمت زراعتها خلال حرب الاستقلال الكرواتية، والتي تغطي مساحة واسعة من الأراضي الكرواتية.
استغرق تطوير هذه السلالة ثلاثة أعوام، وقد تم تدريبها على البحث عن المتفجرات بمزج رائحتها في محلول سكري يتغذى عليه النحل، ومع مرور الوقت يكتسب حاسة الشم التي يستطيع من خلالها ضبط رائحة المتفجرات.
لقد اكتشفنا ما بوسع النحل فعله من إنتاج للعسل ومهاجمة الأعداء وكشف المتفجرات، لكن ذلك ليس كل شيء. يتمتع النحل بحاسة شم عالية، بشكل مشابه للكلاب البوليسية. وفي حال كانت هناك حاجة لتغيير هذه الكلاب، فالمرشح الأول هو النحل. لقد أصبح الماريجوانا مشروعًا في كثير من دول العالم، واليوم يصعب بعد كل هذه السنوات تدريب الكلاب على العمل على كشف مخدرات محظورة أخرى كالكوكايين أو الهيروين.
وقد أثبت العلماء أن النحل هو البديل الأنسب للكلاب للحصول على التدريب اللازم لها. وفي معظم التجارب استطاع النحل التمييز بين الكوكايين والهيروين، ما يجعل الأسهل على الشرطة حمله معها في نقاط التفتيش في المطارات.
داربا هي وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتطورة، وهي تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وتقوم بمشاريع مختلفة في مجال العلوم العصبية، والروبوتات، والبنادق المستقبلية، وكذلك طرق تسليح الحشرات. من بينها إدخال قطعة معدنية إلى أجزاء محددة في أجساد تلك الحشرات كالدماغ أو العضلات المسئولة عن الأجنحة وحركة الأطراف. وهذه القطعة مرتبطة بقطعة أخرى محمولة على ظهر الحشرة والتي تعمل كمرسل ومستقبل لإشارات راديوية إلى جانب إمدادات الطاقة.
ويمكن استخدام هذه الحشرات في مهمات الاستطلاع فوق أراضي الأعداء، والكشف عن المتفجرات، وكذلك في مهمات البحث والإنقاذ. وبوجود كاميرا وميكروفون مرفقة بالحشرات، سيستطيع المشغّلون تحديد مواقع الإرهابيين المختبئين في مكان ما.
من الأفكار الشريرة والتي أجرتها حكومة الولايات المتحدة عام 1954 لتحديد قدرة البراغيث في أن تكون ناقلة للأمراض. وتقوم الفكرة على حقن هذه البراغيث بالفيروسات القاتلة مثل التهاب الكبد الوبائي والكوليرا، وإطلاقها في مدينة مكتظة لقتل مئات الآلاف من الناس!
أعطى تسليح الحشرات منحى جديدًا للحرب البيولوجية وبالتالي الدمار الشامل. كان التفكير في وضع تلك الحشرات كالبعوض داخل قنابل وإلقائها من طائرات على حقل تجارب في يوتا، أما خنازير غينيا فكانت عينة التجارب، وبعض القنابل فشلت في إصابة الهدف، فنقلت العدوى لطاقم الطائرة.
وهي تجربة مجنونة أخرى أجرتها حكومة الولايات المتحدة في ولاية جورجيا حيث تم استخدام بعوض غير مصاب، وكان الهدف تحديد جدوى إسقاط الآلاف من البعوض فوق منطقة مزدحمة لمعرفة المساحة التي تغطيها. في عام 1955 تم إسقاط 330 ألف بعوضة حمى صفراء غير مصابة في ولاية جورجيا. وهناك خطة للجيش الأمريكي لإنشاء مرفق عسكري خاص بحرب الحشرات قادر على إنتاج 100 مليون بعوضة مصابة بالحمى الصفراء كل شهر.
وهي تجربة مماثلة لسابقتها أجرتها الولايات المتحدة بين أبريل ونوفمبر عام 1956. وكان الهدف اختبار لدغة بعوضة الحمى الصفراء والتكلفة لكل وفاة. وتم إجراء العملية على مرحلتين، الأولى إلقاء البعوض على منطقة سكنية في سافانا من الطائرات عبر المظلات، والمرحلة الثانية إلقاء 600 ألف بعوضة حمى صفراء فوق منطقة القاعدة الجوية أفون. وقد تجولت الفرق الطبية في جميع المناطق بعد التجارب للتأكد من عدم وجود إصابات. وعلى الرغم من أن الحكومة أكدت بأن لا إصابات من تلك العمليات، لكن كانت هناك 7 وفيات نتيجة الإصابة بالحمى الصفراء وحمى الضنك.
ومع سيطرة قوات الحلفاء على ألمانيا بدأت بعض الأنباء تتسرب عن تجارب نازية سرية، فقام العلماء النازيون في معسكر اعتقال داخاو بقيادة هاينريش هيلمر، حيث كانوا يعملون على تطوير سلالة جديدة من البعوض قادر على النجاة خلال رحلة الطيران فوق المحيط الأطلسي وصولًا إلى الولايات المتحدة. وكانت الخطة إصابة البعوض بالملاريا وإلقائه في أمريكا، والذي سيؤدي إلى موت الملايين. لكن ذلك لم يكن واقعيًا نظرًا لقصر دورة حياة البعوض، وحساسيته من الارتفاعات، واختلاف الحرارة، كما أن الفوهرر أمر بإيقاف ذلك حيث كان يرى بأن نقل الأمراض هو من عمل اليهود! ويقال بأنه كان يتم اختبار أثر البعوض في نقل الأمراض على السجناء أنفسهم الذين كانوا يتعرضون للتعذيب.
عدد قليل من الناس يدركون الفظائع التي ارتكبتها اليابان كتشريح الأحياء والتجارب على الأطفال والمجازر. حين غزت اليابان الأراضي الصينية أنشأت الوحدة السرية 731 مرفقًا لها في منشوريا، وقد كان محميًا بأسوار عالية وأسلاك مكهربة. في هذا المرفق تم حقن الناس بالكوليرا والتيفوئيد والطاعون والأمراض القاتلة، والوسيلة المفضلة لدى المسئولين كانت البراغيث. وقد أحصى البيولوجيون اليابانيون أن بإمكان البرغوثة الواحدة أن تنقل من 20 ألف إلى 24 ألف من فيروس الطاعون وبلسعة واحدة، وبإمكانها أن تبقى لمدة شهر.
معظم من أُجريت عليهم التجارب كانوا من السجناء وقطاع الطرق، وقد كان من بين الضحايا أمريكيون، وبريطانيون، وروسيون، وآلاف من النساء والأطفال. وكان هؤلاء السجناء بمثابة خنازير غينيا التي تُجرى عليهم التجارب في الحرب البيولوجية. وحينما دخلت قوات الحلفاء إلى الصين لتحريرها عقب هزيمة اليابان، قام العاملون في المرفق السري بتدميره لإخفاء أية أدلة. لكن البراغيث والحشرات انتشرت في كل مكان وتسببت بمقتل 300 ألف شخص معظمهم من الصينيين نتيجة انتشار الطاعون والبراغيث المعدية والفئران.