أمهات كثيرات تجبرهن ظروف الحياة القاسية على التخلّي عن صغارهن، فبعضهن يتركن أولادهن بسبب انفصالهن عن أزواجهن، وأخريات حُرمن من صغارهن نتيجة ظروف مادية أو اجتماعية، وما أكثر الدعاوى في المحاكم التي تخسرها الأمهات المطلقات، وتؤول حضانة الأولاد للأب.
وظهرت حالات اضطرابات سلوكية لأبناء بلا أمهات وصلت ببعضهم إلى حدود الجريمة
ابن السنوات الخمس سكب البنزين على جاره
قد يصل أثر ابتعاد الأم عن حياة صغيرها إلى حدّ ظهور طفل معقّد نفسياً، لديه سلوك عدواني قد يدفعه لارتكاب جريمة بحق نفسه أو بحق آخرين، كما حدث في منطقة عابدين في وسط القاهرة، حيث ارتكب طفل يبلغ من العمر خمس سنوات جريمة بشعة بحق جاره السوري، كادت أن تنهي حياته أثناء لهوهما معاً وتفوق الأخير عليه. الواقعة سجلها محضر شرطة حرّره والد الطفل الضحية الذي يعمل فني تركيبات أسنان، اتهم فيه طفلاً آخر يدعى سيد، عمره خمس سنوات، بمحاولة قتل ابنه إذ سكب البنزين عليه وأضرم النيران فيه، ونقل على أثر هذا الحادث الأليم إلى مستشفى قصر العيني في حالة صعبة بعد إصابته بحروق بليغة في الساقين. تحريات رجال الشرطة كشفت أن الطفل المجني عليه كان يلهو مع المتهم الذي سيطر عليه سلوك انفعالي، بسبب تفوّق الأول عليه، فتوجه إلى دراجة بخارية مركونة في الشارع، وسحب منها كمية من البنزين ألقاها عليه ليشعل فيه النيران محاولاً قتله، إلا أن أحد المارة سارع الى إخماد النيران التي كادت تلتهم جسد الصغير ونجح في إنقاذ حياته. سلوك سيد العنيف برّرته أقوال جدّته في تحقيقات النيابة، حيث أوضحت أن الصغير يقيم معها بعد انفصال والديه عقب ولادته مباشرةً، وزواج الأم بآخر، لتكون النتيجة طفلاً يعاني سلوكاً عدوانياً دفعه لارتكاب جريمة بشعة.
ابن الأثرياء تركته والدته وسافرت الى أميركا فأصبح عامل نظافة
قد لا تصدّق عندما تعلم أن هيثم، عامل النظافة الذي يتردد على أحد أحياء القاهرة لتنظيف السلالم فيها، هو ابن أحد الأثرياء. ليس هذا فقط، بل إن والدته هي الأخرى طبيبة في إحدى الجامعات الأميركية وتعيش في الولايات المتحدة الأميركية، وتحظى هناك بمكانة كبيرة، في حين يعيش هو حالة من الفقر المدقع والضياع بسبب أنانيتها المفرطة وبحثها عن ذاتها على حساب طفلها، الذي تركته قبل أن يكمل عامه الأول. والقصة كما يرويها هيثم بدأت في كلية الهندسة، حيث كان اللقاء والتعارف بين والديه ليتم الزواج الذي أسفر عن إنجابه، وتبدأ المشاكل بينهما في الظهور الى العلن، بعدما رغبت الأم في السفر إلى أميركا لاستكمال دراستها، في حين رفض الأب قرارها، ليقع الطلاق ويكون هيثم من نصيب والده بعد تخلي الأم عنه.
وجد الأب في والدته البديل لمطلقته، فعهد إليها برعاية صغيره الذي ضاق ذرعاً بحياته معها وهو في الخامسة من عمره، لقسوتها معه وسوء معاملتها له بسبب ما فعلته والدته في الماضي، في حين انشغل والده مع زوجته الجديدة التي رفضت وجود هيثم في حياتها، فاتخذ قراره بترك المنزل والرحيل. عاش هيثم في الشارع لفترة حتى استقر به الحال في أحد المساجد، بعدما وجد العطف من الإمام الذي تركه ينام ليلاً داخل المسجد، ويغادره في الصباح ليعمل في تنظيف أحد المطاعم المجاورة، قبل أن يدرك إمام المسجد الحقيقة ويذهب إلى والده لإعادته إلى المنزل، إلا أنه لم يمكث طويلاً وعاد مرة أخرى الى الشارع. حياة ضحلة عاشها ابن الأثرياء بعد انفصال والديه إثر خلافات كبيرة، حتى أنه كان يحمل مواد البناء على ظهره، في حين يمتلك والده واحدة من كبرى الشركات في مجال البناء. وعندما بلغ الابن سن السادسة عشرة، قصد والده بغية استخراج بطاقة تثبت هويته، لتنجح بعض المحاولات في إعادة العلاقة بينهما، إلا أن الوفاق لم يدم طويلاً، فكلاهما أصبح ينتمي إلى طبقة تختلف عن الأخرى، كما أن أبناء الأخير نبذوه من حياتهم، فهو على حد وصفهم مصدر للعار، لدرجة أنهم رفضوا حضوره جنازة الأب الذي توفي منذ أشهر عدة.